بلاها القديمة وخد جديدة
( فيه سؤال غلس أوى بيقول ) لماذا فسدت الصداقات ولماذا فشلت العلاقات القديمة التى كانت قوية ولماذا تحول الأصدقاء إلى غرباء؛ الجواب ليس كما نقول؛ الإنشغال أو العمل أو الزواج أو الغيرة إو الكذب؛ فهذا ليس الجواب العميق وليس الرد الدقيق.
الرد السليم من وجهة نظرى متعلق بالله، فالأمور الغير مفهومة بنظرنا المحدود دائما ما تعود فى الأساس إلى الله، فلنقل أنها غضب من الله علينا فأفسد علاقاتنا أو أنه جل وعلى نزع البركة من بعض صداقاتنا ففشلت أو أنه تبارك وتعالى يختبرنا بإظهار حقيقتنا أمام بعضنا البعض وهو اختبار صعب، ولكن الأمر ليس بعيداً عن الله وليس له سبب أو سببين يمكن أن يحلا لغز ؛ إنما التفاصيل مستترة تماماً وكلها تخمينات !
وما من حل إلا من الله !
خلال العام الماضى انتابنى شعور غريب جدا عنى لم أشعر به قط من قبل؛ وهو أننى أحتاج إلى صداقات؛ وليست صداقة واحدة؛ لا أريد صديقة واحدة وإنما صديقات؛ ولأن عندى عيب كبير وهو إما أن تكون علاقة الصداقة صاااادقة وتستحق التضحية بالوقت والمجهود والمال أحياناً وتستحق أن أطلع أشخاص آخرين على تفاصيل فى حياتى وهذا ما لا أفعله مطلقاً حتى مع أقرب الناس، وإلا فهى علاقات وليست صداقات؛ نتحاور ونتواصل وأحياناً نتلاقى لنقضى وقتاً لطيفاً ولكن ليست صداقات بالشكل الذى أعتقده.
أغلب علاقاتنا القديمة ذهبت أدراج الرياح أو كادت، إما لاستبدالنا بأصدقاء أحدث أو الإنغماس فى العمل بشكل زائد وإما التلاشى فى الحياة الزوجية لدى بعض الأصدقاء الذين يظنون أن الزواج هو الحياة وما من شئ آخر يمكن القيام به سوى خدمة الزوج أو الزوجة والبيت والأبناء !
لسنوات طويلة تصورت أن هذه العلاقات ليست بالأهمية التى يراها البعض ويبذلون فيها الكثير والكثير، وأن علاقة الإنسان بالله تغنيه عمن سواه وتسليه وتكفيه وتمنحه أكثر مما تمنحه أى علاقة.
ولكن هذا الكلام غير دقيق، فنحن فى حاجة إلى أصدقاء قريبين، نحكى لهم عما نريد، مما لا يمكن الحديث فيه مع الأهل أو الأبناء أو الزوج أو الزوجة وهذا حق من حقوقنا، نحرم أنفسنا منه بإرادتنا ونتصور أننا على صواب.
البعض يبذلون أكثر من طاقتهم فى سبيل أداء شئ لأحد أصدقائهم؛ أصدقائهم يلعبون الدور الأكبر والرئيسى فى عقوله وسلوكياتهم وأوقاتهم.
يمكن أن يغيروا مواعيد العمل أحياناً أو يطلبون إجازة لقضاء حاجة لصديق، وقد يقرضون صديق الكثير من المال حتى لو لم يكن الوقت مناسباً لهم، لا يرفضون طلباً للقاء أحدهم أبداً مهما سبب ذلك من مشكلات، يردون على مكالمات جميعهم، يسترجعون معهم ذكريات قديمة ويشاركونها عبر شبكات التواصل الاجتماعى حتى وإن كانت صور قديمة، وغير مرتبة وليس معد لها الإستعداد الكافى بل وسيئة جداً وتم تصويرها بشكل عشوائى وقد مر عليها 20 عاماً أو 30 عاماً، يعيرون بعضهم السيارات حتى وإن عادت بعد ذلك ( عربية كارو )، ولا يبالون من كل ذلك بشئ !
<span;>الأكيد أنهم ذاقوا من هذه الصداقة حلاوة دفعتهم للاستمرار !
وعلى الرغم من أننى عاتبت نفسى كثيراً على أننى همشت دور الأصدقاء إلا أننى راضية عن نفسى فى هذا الصدد تمام الرضا، لأننى بذلت مجهوداً كبيراً فى الحفاظ على صداقاتى القديمة ولكنها تحولت إلى علاقات فاترة رغم كل المحاولات.
ولا أنكر أننى قد أكون ابتعدت بإرادتى أحياناً ورغماً عنى أحياناً أخرى ولأسباب مقنعة أحياناً ولراحة البال فقط أحياناً أخرى والنتيجة واحدة !
كنت أتعجب من هؤلاء الذين يتفانون فى إقامة علاقات جديدة والتمسك بالعلاقات القديمة، وأتساءل ( ليه وجع الدماغ ده، والتليفون يرن كل شوية، والحوارات تكتر ؟)، ولكن الأمر يستحق والاستثمار فيه مربحاً، حتى ولو لم يكن دائماً إلا أنه مربحاً فى الأساس !
وعن فكرة الاكتفاء بالله عن الصداقات فهى ليست مكتملة بدورها؛ حيث أن الله يسوق لنا الأمثلة على أهمية دور الأصدقاء فى حياتنا ويوليها اهتماماً يشير إلى أنها أمر جليل وإلا لما ذكره.
فلقد كان سيدنا محمد؛ صلوات الله وسلامه عليه بعد الانتهاء من غزوة أحد يسأل عن الأصدقاء حتى يدفنهم سوياً، والله عز وجل يسأل يوم القيامة ( أين المتحابين فى جلالى ؟ اليوم أظلهم فى ظلى يوم لا ظل إلا ظلى.)
أحد بوستات شبكات التواصل الاجتماعى تحكى أمثلة على الصداقات القويمة فيقول البوست :
ما كان عثمان بن عفان ينساها لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تخلّف عثمان عن بيعة الرضوان فيضع النبي يده الأخرى قائلًا: وهذه يد عثمان.
وما كان كعب بن مالك ينساها لطلحة يوم أن ذهب إلى المسجد متهللًا بعد أن نزلت توبته فلم يقم إليه أحد من المهاجرين إلا طلحة قام فاحتضنه وآواه بعد غياب واقتسم معه فرحته.
وما كانت عائشة تنساها للمرأة التي دخلت عليها فى حادثة الإفك، وظلت تبكي معها دون أن تتكلم وذهبت.
وما كان أبو ذر ينساها لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تأخر عن الجيش، فلما حطّ القوم رحالهم ورأوا شبحًا قادمًا من بعيد وأحسن النبي الظن بأبي ذر أنه لن يتخلف فتمنى لو كان الشبح له وظل يقول: كن أبا ذر، فكان.
علاقات الصداقة فريدة جداً وكل شئ فريد جميل؛ فالصداقة تجمع بين اثنين أو ثلاثة أو أكثر بلا مصلحة، مختلفون فى الكثير من الأمور ولكنهم متمسكون ببعضهم البعض، فقد تجمع صداقة قوية جدا بين مجموعة تضم شخص متدين جداً مع شخص مفرّط فى الدين مع شخص ثرى مع شخص فقير مع شخص يعمل بوظيفة مرموقة مع شخص عاطل مع شخص جبان مع شخص شجاع، يكوّنون خليطاً متجانساً وقوياً ( متعرفش ازاى ) !
علاقات الصداقة مفيدة فى خلق الراحة، من يعيش بلا أصدقاء غير مرتاح !
الأصدقاء مهمون جداً؛ يقدرون المعاناة، يحبون ما نحب لأننا نحبه ويكرهون ما نكره لأننا نكرهه، نتكئ عليهم ونعترف لهم بأخطائنا دون خوف، لا يسيئون فهمنا ولا نبرر لهم أقوالنا وأفعالنا، الأصدقاء متنفَس، والصداقة تمنحنا ما لا يمنحه لنا سواها من علاقات، تمنحنا أكثر بكثير مما نمنحها وتستحق بجدارة بذل المزيد باستمرار !
ولأننا لم نعرف إجابة السؤال ( لماذا فسدت علاقاتنا القديمة ) فلنعرف إجابة السؤال ( كيف نبنى علاقات بديلة جديدة ؟) !!