عصابة ضد شخص
مواقف عدة أشعر فيها بالشفقة على بطل الموقف وأحزن عليه حزناً عميقاً، ولكن ( كل المواقف كوم والتحالف ضد شخص كوم تانى خالص).
فاختلاف شخص مع شخص أمر مشروع ومقبول وعراك شخص مع شخص أمر طبيعى ومتكرر وجدال شخص مع شخص شئ صحى ومنطقى، ولكن من غير المقبول ولا المنطقى أن يتحالف ثلاثة أشخاص أو أربعة أو عشرة أو أكثر ضد شخص واحد، فيختلفون معه فى وقت واحد أو يجادلونه فى نفس الجلسة أو يتعاركون معه فى نفس الموقف، إنه ليس عدلاً !
يفعل ذلك الضعفاء الذين لا يجدون القوة إلا فى التحالف مع آخرين ولا يتحركون خطوة إلا بدعم وسند، وكلما أراد أحدهم الاشتباك بشخص يبحث لنفسه عن عصبة أو قل عصابة، حتى يضمن الجولة لصالحه حتى وإن علم علم اليقين أن ما يفعله ليس من حقه وليس من العدل أن يكسب الجولة ولكنه يرى أن غايته فوق كل الغايات وتبرر كل وسائله الرخيصة لنيل ما لا يحق له !
من الممكن لقلبى أن ينفطر إنفطاراً على شخص يقف موقف الدفاع أمام خمسة أفراد أو عشرة أو أكثر وهو لا يستطيع إحتواء موقف أبطاله عشرة أشخاص ضده، ولا يتمكن من درء تهمة عنه أو الدفاع عن نفسه !
من يقومون بتكوين هذه العصابات بارعون كل البراعة ومتمكنون من أدواتهم ومتقنون لفن تكوين الأحزاب ضد ( فرد )، نعم ضد فرد، فهم لا يستطيعون سوى فرض القيود والسيطرة إلا على فرد واحد، لإضعاف موقفه مهما كان قوياً، فهو فى الغالب قوياً وإلا لما احتاجوا للتحزب ضده !
يفعل ذلك بعض المذيعين الذين يبلغ عددهم ثلاثة مثلاً، يقومون بالهجوم الجماعى على ضيف واحد، لا يتمكن ساعتها من الرد على الأول أم الثانى أم يعود للأول أم ينتقل للثالث وهكذا الحال حتى تنتهى الحلقة فى منتهى الهمجية والتوتر.
يفعل ذلك أسرة كاملة من أب وأم وأخوة اتفقوا على الوقوف ضد إبن واحد فجلدوه مجتمعين فى نفس الساعة، حتى لا يستطيع الرد أو الدفاع.
يفعل ذلك أهل الزوج الذين يرون أن زوجة الإبن شخص غريب ومختلف عن عائلتهم وهم لن يتقبلوا اختلافه فيتفقون جميعاً على تغييره مجتمعين وجعل الزوجة نسخة من عائلته أو نسخة اتفقوا على رسمها فى خيالهم، مع أن الحل الأسهل كان هو اختيار زوجة مشابهة لهم من البداية، ولكن القصص التى تحكى عن عائلات كاملة تقف ضد زوجة بمفردها قصص تملأ مجلدات وإن لم يقف الزوج موقف المتقبل لاختلاف زوجته فستظل هذه الزوجة فى مأساة إلى أن ينقلها الله إلى جواره الأعلى.
يفعلها أيضاً الهمج وأهل الشارع حين تنشأ مشادة أو معركة بين شخصين، فينتصر أحد الطرفين وينهزم الآخر، فيجمع المنهزم أصدقائه واخوانه وأعوانه ليعلموا هذا المنتصر الأدب، فيتجمعوا ويضربونه ويكسرونه تكسيراً.
يفعل ذلك الحيوانات الذين يبحثون عن فرد نأى عن القطيع أو فرد أضعف فاجتمع عليه ثلاثة أو أكثر ليلتهمونه التهاماً، فهذا السلوك أقرب إلى الحيوان منه إلى الإنسان، ويليق بالحيوانات أكثر بكثير من ملائمته للبشر.
يكبر فى نظرى كل من وقف موقف المجادل لشخص ما ثم جاء طرف جديد أو أطراف جدد ضد الطرف الآخر، فتوقف الأول حتى لا يكون الهجوم مضاعفاً أو غير متكافئ ومن السواء أن لا يشعر الطرف المتحالف مع آخرين بلذة الانتصار على طرف آخر يتكون من شخص واحد بمفرده.
إنه من العيب شعور جماعة بالانتصار على فرد !
والغريب فى الأمر أن هذا فى الغالب لا يحدث مع العكس؛ أو لِنقُل لا يحدث إلا فيما ندر، فأين التحزب والتجمع بين أفراد لمساندة شخص أو تأييده أو تشجيعه، بل نجد التشجيع والإيجابيات تأتى غالباً منفردة ومن أشخاص مستقلين، فلا تجتمع أسرة لتشجيع إبن على هوايته بنفس مقدار تجمعها لتأنيبه، ولا نجد مذيعين برنامج يتفقون على تأييد ضيف فى توجه سياسى بنفس مقدار اتفاقهم عند الهجوم عليه، ولا نجد عائلة زوج تجتمع للاحتفاء بزوجة أو مدحها بنفس مقدار تجمعهم لتشويه صورتها وإضعاف مواقفها فى العموم.
إتفاق أكثر من شخص على إيذاء شخص أو السخرية منه أو محاولة هدمه لا يدل إلا على هشاشة هذه التحالفات مجتمعة، وقوة هذا الفرد الواحد مهما نظم التجمع عمله، فسيظل تجمعاً أجوف فارغاً من الداخل !
سليم القلب هو من واتته الفرص للدخول فى مثل هذه الأحزاب المشبوهة فترفع وأعرض ونأى بجانبه، وسليم القلب هو من واتته الفرص لدخول هذه الأحزاب فلم يكتفِ بالإعراض بل وشجب ونبّه وحاول حلّ هذه الأحزاب حتى وإن كان ثمن ذلك تصنيفه عدواً ووضعه داخل القفص مع الشخص الهدف وجعله هدفاً للنيل منه فى حد ذاته !