مقالات نورا عبد الفتاح

بطّل نكد … بطّل جُبن

فيه حاجة إسمها برمجة العقل وبقى فيه ناس كتير جداً إن لم يكن كل الناس عارفاها وفاهماها، بس مبتعرفش تعملها لأنها صعبة جداً فى العموم، يعنى صعبة على كل الناس وكل ما الشخص كان متربى على أفكار معينة وثابتة فى معتقداته وسلوكياته جامد، كل ما كان إعادة برمجة عقل الشخص ده أو تعديل أفكاره صعب وكل ما كانت الأفكار والعادات جديدة ومش متكررة كتير كل ما كان إعادة برمجتها وتظبيطها سهل وسريع.

البرمجة دى ممكن تحل كل مشاكل الإنسان تقريباً وعلى رأسها الأمراض النفسية، ممكن نقول كلها باستثناء الفصام.

البرمجة دى بتبقى صعبة لأن العقل مش سهل عليه إنه ياخد أى حاجة كدا ويثبتها ويتعود عليها ويعملها أفكار جديدة بتحركه طول الوقت، لأن الطبيعى إنه دايماً بيدافع عن أفكاره القديمة اللى بتشكل هويته يعنى بتشكله يعنى بتبقى كأنها هو، علشان كدا بيدافع عنها وبيتمسك بيها وبيحس إنها هتخل باتزانه وانه بيفقد نفسه لو غيرها.

وهى دى مشكلة المرض النفسى؛ المرضى النفسيين دول أغلبهم بيبقوا عندهم أفكار غلط من الطفولة أو من سنوات طويلة وعقلهم تبناها وبرمج نفسه عليها وبقى بيعملها غصب عنهم، يعنى اللى عنده فوبيا أماكن مرتفعة مثلاً، عقله بيبعتله الخوف وفقدان الاتزان وضعف العضلات والاعصاب وضيق التنفس وبيحس إنه مرعوب وبيقع، هو على فكرة مفكرش فى حاجة، ده عقله اتبرمج كدا خلاص إن أول ما يطلع مكان عالى يقوله ( العقل ) إنت خايف وهتقع ومش عارف تتنفس وإيدك ورجلك بتترعش وفيه مصيبة هتحصل.

عقله بيبعت له الكلام ده كله دون أدنى مجهود منه ولا من عقله لأنه متبرمج على كدا يعنى بيعمله أوتوماتيكياً، نفس الكلام ده بيحصل مع اللى عندهم اكتئاب، طول الوقت عقلهم بيقولهم إحزن وحس بالكآبة، كل حاجة وحشة والموت هو الحل، إنت مش هتقدر تشتغل ومش بتستمتع بأى حاجة، ومحدش فاهمك ومحدش كويس ومافيش سبب للفرحة، ومافيش حاجة ليها طعم…..وتتكرر كتير.

اللى عندهم اضطراب هلع أو حتى نوبات هلع متباعدة، بردو عقلهم هو اللى بيطلع لهم أفكار إنت بتموت إنت مش بتتنفس، إنت بتنهار وبتدوخ، من غير أى مناسبة، يعنى ممكن واحد يبقى قاعد فى أمان الله بيذاكر أو بيشتغل أو بيتفرج على التليفزيون، يلاقى عقله باعت له البلاوى دى كلها بلا أى مقدمات.

الناس دول والمرضى النفسيين عموما بتبقى مناعتهم النفسية مش قوية أوى، يعنى مبيعرفوش يعافروا مع حاجة وحشة، حتى الأفكار الوحشة اللى جاية من جواهم، مبيقدروش يغلبوها بسهولة، فبتبقى أقوى منهم، وممكن يفضلوا يحاولوا شهور وأحيانا سنين، علشان يتعالجوا، وفى الآخر بيتحسنوا تحسن بسيط وبطئ جداً.

لأن برمجة عقلهم بتبقى ثابتة وتغييرها بيبقى صعب !

إحنا كدا فهمنا إن المرض النفسى زى أى مرض، وأعراضه بتظهر على صاحبه غصب عنه زى المريض بأى مرض عادى، علشان كدا مينفعش اللى عنده فوبيا نقوله بطل جبن واسترجل أو إنت عبيط ولا إيه، إنت خايف من إيه ؟

ولا ينفع اللى عنده اضطراب هلع وعنده إحساس بالخوف من الموت طول الوقت نقوله إنت خواف.

ولو شد حيله وراح شغله أو مدرسته أو زار قرايبه أو واحدة نضفت بيتها وغسلت وطبخت وربت ولادها وسمعت كلام جوزها واستحملت غلاسته، فهما بيعملوا كل ده وهما حاسين إنهم بيموتوا وإنهم عندهم إنهيار تام، مرة دكتور قال تعبير راااائع بيعبر عن اللى عنده نوبة هلع كاملة؛ قال ( كأن عمارة بتقع )، هو ده اللى بيحسوا بيه بالظبط.

عارف الأفلام لما يجيبوا مريض نفسى يبقى هو بطل الفيلم، وييجى فى أوقات ما يتعب زيادة أو يتوتر، يجيبوا أصوات كتيييير بتكلمه فى وقت واحد وبتعمل صدى وبتتكرر وبتيجى من كل ناحية، الكلام ده بيبقى صح وهو اللى بيحصل فى دماغهم، حتى لو مبينوش، علشان كدا السيطرة عليها بتبقى مش سهلة.

وتلاقى فى وسط ده كله واحد مبيفهمش حاجة ييجى يقولهم، إنت جبان ، إنت بتخاف من إيه ؟، ما الناس كلها عايشة عادى، محدش جه جنبك، إطلع من الجو ده وانت هتبقى كويس.  

أو اللى عنده اكتئاب، تلاقى ناس حواليه عمالة تقوله، بطل نكد، إنت قالب وشك ليه ؟، قوم اخرج واتفسح وانت هتبقى كويس.

مرة واحدة أعرفها كان عندها اكتئاب وبتاخد أدوية علاج نفسى ومبتفرقش معاها كتير، أختها كلمتنى وقالتلى إحنا مش عارفين نعملها إيه وقربنا نزهق، تعالى قوليلها أى حاجة.

روحت لها البيت، لاقيت مامتها من على الباب بتقوللى أنا مبقتش باكلمها خالص لأنى زعلانة منها لأنها مبتحمدش ربنا على كل النعم اللى هى فيها، واختها تقوللى هى كئيبة أوى ومبسوطة بجو الحزن اللى هى فيه.

أختها قالتلى تعالى نقومها من على الكنبة اللى هى لازقة فيها دى ونلبسها جزمة وناخدها ونروح بيها فى أى حتة، دخلنا لها الأوضة، كلمناها كتير مردتش علينا خالص، ولما أختها شدتها جامد من على الكنبة علشان تخرجها بالعافية، البنت وقعت ومقدرتش تقف خالص، أختها قالتلى إيه ده هى مش قادرة تقف بجد ؟

أختها مش فاهمة إنها (مش هتقدر) تقف ومش مصدقة إن الاكتئاب ده مرض وبيأثر على كل حاجة فى الجسم، ناس كتير فاكرة إنه شوية زعل وضيق ولو اللى عنده اكتئاب خرج اتفسح ولا أكل أكلة حلوة هيخف، ولا لو صلى وقرأ قرءان هيخف، وإنه لازم يبص للنعم اللى عنده ويحمد ربنا عليها وهو هيبقى كويس على طول.

( مشكلة اللى فاكرين إن المرض النفسى قلة تدين وإنكار لنعم ربنا عليهم )

يا رب تكون الأمثلة وضحت إن المرض النفسى أعراضه زى أى مرض بيحس بيها الشخص المريض غصب عنه؛ يعنى ممكن واحد سنانه واجعاه، يقول لاسنانه متوجعنيش، أو أنا هاقوم أخرج وهاخف ؟

أو واحد عنده صداع، يقول لدماغه بطلى وجع، أو احنا نقوله  قوم كل أكلة حلوة والصداع هيخف ؟

إشمعنى المرض النفسى بنطلب من صاحبه إنه يوقفه أو نفتكر إنه هيخف لو صلى أو قرأ قرءان أو فضفض بكلمتين، واشمعنى ده المرض الوحيد اللى بننكره ؟
يمكن علشان مش بيبان ؟

الكلام اللى بنقوله للمرضى النفسيين على نفس الصورة اللى ذكرتها، بيدمررررهم، لو عايز تضيع مريض نفسى وتوديه ورا الشمس، قوله كلام من بتاع بطل نكد وبطل جبن واحمد ربنا !

يبقى نعمل إيه ؟

يبقى نحسسهم إننا موجودين جنبهم، مش مطنشين وملهيين عنهم، نسألهم عاملين إيه من وقت للتانى بس مش كل يوم، علشان يعرفوا إنهم لازم يمسكوا نفسهم لوحدهم، لكن نخليهم عارفين إننا جنبهم ولو احتاجونا هيلاقونا، ونساعدهم يزوروا الدكتور بتاعهم كل فترة حتى لو مرة فى السنة بس ده لو مبياخدوش أدوية، ونحسسهم إننا فاهمينهم وحاسين بيهم، صعبة دى ؟

والله ما فى أسهل من كدا.

يعنى كدا هيخفوا ؟
آه والله ممكن يخفوا أو على الأقل هيتحسنوا كتير وهتبقى حياتهم أسهل وأظرف بكتير.
وبعد كدا هيشيلوا لنا الجميل ده على راسهم طول عمرهم، لأن المرضى النفسيين فى العموم بيكونوا حساسين وبيقدروا الناس اللى بتقف جنبهم.

ونبقى خدنا ثواب فى ناس إحنا اللى سببنا لهم المرض أصلا !

المرض النفسى صعوبته فى إنه بيصعب حياة المريض، بيبوظ نومه، بيبوظ موده، بيصعب خروجه من البيت، بيقلل تركيزه، بيضعف طاقته، وبيبقى لازم يبان قدام الناس إنه عادى ويمارس كل تفاصيل حياته، وسط ناس طول الوقت بيقولوله بطل دلع وبطل نكد   !!!

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع