الفلسفةمقالات

مقال فلسفة الضحك ل شريف عرفة

كان الفيلسوف اليوناني “ديمقريطس” دائم الضحك و السخرية من كل شيء ، لدرجة أنه عُرِف باسم الفيلسوف الضاحِك. وتقول الأسطورة أنه كان يضحك باستمرار لدرجة أن الناس ظنّوا به جنوناً ، فأخذوه إلى أبي الطب “أبقراط” لعلاجه. جلس “أبقراط” مع “ديمقريطس” ليتحدَّث معه. وبعد فترة طويلة خرج للناس بالتشخيص الطبي لحالته. قال إنه ليس مجنوناً على الإطلاق ، بل إن ضحكه هذا دليل على أنه أكثر الناس حكمة و جدية، وفهماً لمفارقات هذه الحياة وتناقضاتها.

 كان العنف سلوكاً طبيعياً في العصور القديمة ، الطبيعة قاسية لايمكن التحكم فيها، الموارد قليلة، والقبائل يغير بعضها على بعض، للاستئثار بالمواد الشحيحة.

في هذه العصور كان الغضب والعنف والقوة مميزات تحافظ على البقاء، وكانت الشراسة في الفتك بالأعداء أمراً يمكن التباهي به.

في هذه الأجواء يمكننا تخيّل رجل الكهف الجائع وهو يضحك سعيداً لأنه وجد طعامه، بينما فريسته تتلوى ألماً من الرمح المغروس في جسدها.

 هل وُلد الضحك في لحظة دموية كهذه ؟!
يرى فرويد أن السخرية توُلِدت من القسوة، وأنها تعبير عن الوحشية والعنف.

فنحن نضحك على مآسى الآخرين وعثراتهم لنشعر أننا على مايرام. نضحك على من ينزلق بقشرة موز لأنه ليس نحن. ونضحك على بطل الموقف المحرج الذي يتعرض له بطل الفيلم الساذج لأننا لسنا مكانه.

هذا النوع من الضحك يداعب جزءاً بدائياً من عقولنا، حين كان الضحك تعبيراً عن العدوانية و القسوة و التعالى.

 لكن حس الدعابة تطور مع تطور الإنسان الحضاري و النفسي.

 ففي المجتمعات المتحضِّرة لم يعد من اللائق أن نضحك على شخص يعانى ويتعذب. لكننا قد نفعل هذا براحة تامّة لو كان هذا الشخص خيالياً، كبطل حكاية أو نكتة أو ممثل في فيلم كوميدى.

  لأنه ليس حقيقياً. اليوم لم نعد ننظر للسخرية كما كان ينظر لها الأقدمون.

 السخرية تعين الإنسان على تحمل الألم ، تؤدى إلى التفائل ، والتفائل يؤدى إلى تحسين المناعة وقوة التحمل.

إننا حين نسخر من مشكلة فإنها لا تعود شيئاً مخيفاً مرعباً، فيسهل علينا مواجهتها والتعامل معها بأقل ضرر عاطفى ممكن.

 السخرية ليست هروباً. الهروب هو تجنب التفكير في الموضوع أصلاً. بينما تحتاج السخرية إدراكاَ للمشكلة، والنظر إليها بطريقة تخفف من وطأتها، ليستطيع الإنسان مواجهتها بعد ذلك.

إنسان بعد التحديث، شريف عرفة.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع