شبابنا فيما أفنيناه
منذ سنوات عمرى الأولى وأنا أرى جدى يرحمه الله، والد والدى يهتم كل الاهتمام بساعات الحائط فى كل الغرف ويهتم كل الاهتمام بساعة يده، وينظر اليها مرارٱ، وحتى بعد أن بلغ به السن الحد الذى لا يمكنه من رؤية ساعة الحائط من بعيد لضعف نظره، كان يقطع مسافة طويلة جدا فى شقته التى كانت تقارب الثلاثمائة متر، فقط كى يصل إلى ساعة الحائط لمعرفة كم الساعة الآن أو كم من الوقت تبقى على صلاة العصر، أو متى سينزل لقضاء مصلحة ما.
كذلك جدتى والدة أمى، يرحمها الله، كانت دومٱ تنتبه كل الانتباه لساعات الحائط وأنها جميعها منضبطة، وعلى درجة عالية من الأناقة والشياكة والنظافة الشديدة، وأنه متوفر فى كل غرفة واحدة منها على الأقل.
كما كانت أمى وحتى الٱن تكرر على أنا وأخوتى دائمٱ جمل( قوموا اعملوا حاجة مفيدة، الوقت بيضيع، الوقت قذف، الوقت بيجرى)، وجمل مشابهة، وبشكل كثيف جدا.
نشأت وأنا أشعر رغمٱ عنى، بأن هذا الوقت شئ ثمين يتفلت من أيدينا ويلزم علينا بذل كل غالى ونفيس من أجل اللحاق به لأنه يستحق العناء.
وكنت أختنق بشدة من فرط ضغط أمى علينا من أجل الوقت، ولكنى فيما بعد علمت أن كل هذه المعاناة، هى التى تجعل من أى إنسان شعور بأهمية الانجاز فى الوقت قبل أن يجرى، لأنه بالفعل يجرى وبسرعة والذى يمر منه لا يعود.
كثيرٱ ما سألت نفسى، بما سنجيب عندما يسألنا الله؛ عن شبابنا فيما أفنيناه ؟
لم يأت شئ فى بالى سوى تربيتى لأبنائى التى أتمنى أن تكون شفيعٱ لى عند هذا السؤال،لأنها فعليٱ أكثر ما يأخذ من وقتى وطاقتى، ولكنها بالطبع ليست ردٱ كافيٱ، وبمنتهى الصدق نحن لا نحسن استغلال الوقت على الاطلاق.
نحن لا ننجز فيه حق الانجاز، نحن نضيعه فى أحاديث نميمة تافهة، أوأمام أفلام التليفزيون الهابطة، وهواتف ذكية غبية، ومواقع تواصل تفصل العلاقات لا توصلها، تأخذ ساعات من النهار وساعات من الليل، نترك من أجلها الأعمال والدراسة والواجبات الاجتماعية… وغير ذلك من التفاهات الكثير.
أتعجب ممن يعيشون ويخرجون ويعودون بدون ساعة يد، أو يجلسون فى غرفة بدون ساعة حائط، ويظلون ساعة واثنان وثلاثة وأكثر، لا يعرفون عن الوقت شيئٱ، ويتفاجئون بأنه قد مر من الوقت ساعتين أو ثلاثة، لم ينتفعوا فيها بشئ البتة، أو يجدون آذان فيسألوك،( ايه ده، ده الضهر ولا العصر ؟)
شئ فى منتهى الأسف !
فيجدوا هذه الساعات إما مرت هباءٱ منثورٱ وإما أنجزوا فيها شئ استغرق منهم ثلاث أو أربع ساعات، كان يمكن أن يتم فى ساعة أو ساعة ونصف.
من هنا يسعدنى ويشرفنى إطلاق حملة ( ارتدوا ساعات اليد، يرحمنا ويرحمكم الله !
وتذكروا دائمٱ السؤال الذى يؤرقنى دائمٱ ( شبابنا فيما أفنيناه) ؟؟؟؟؟