الصحة

كيف يجن العقل

لا يصاب بالجنون الا الانسان فقط دون سواه من الحيوانات وهذا يدل على أن الجنون يرجع الى العقل وهي خاصية الانسان التي تميزه عن باقي المخلوقات ولا يتصور حمار مجنون او قط مجنون.

فأما معنى الجنون فتدركه لو علمت معنى العقل وأنه عبارة عن معاني مفردة مجردة مثل انسان وحيوان وكلب وجبل وحجر وحار وبارد ورطب وصغير وكبير وابيض واسود.

ثم العقل ينسب هذه المعاني إلى بعضها البعض إما على هيئة صفة وموصوف أو على هيئة سبب ومسبب مثل أن نقول (السكينة تقطع ) ومثل قولنا (الشمس مضيئة ) ومثل قولنا ( النار تسخن ) فالمجنون يفعل نفس هذا الفعل أي (يحمل معنى على معنى فيكون قد وصف شئ بشئ ) أو (يربط وجود شئ بوجود غيره فيكون قد أدرك سبب ومسبب ).

ولكن المجنون يحمل معنى على معنى لا يمكن حمله عليه في تجربتنا وكذلك هو يربط أسباب بمسببات لا يمكن ربطها ببعض في التجربة التي يدركها الانسان العاقل.

ومثال ذلك أن يقول لك المجنون (البط يتكلم أو البط يغازل الفتيات أو السكينة تكتب في الورقة ) فإن هذا ( الحمل) وهذا (الربط السببي بين المعاني) لا يطابق تجربة الانسان العاقل فمعلوم أن السكينة تقطع ولا تكتب فإن قال قائل أن (السكينة تكتب) فقد نسب إليها وصفا لا يطابق تجربتنا ولذلك فنحن نظن جنونه إلى أن نقطع بذلك بقول اآخر يقوله لأنه ربما انه يتكلم مجازيا فيقول مثلا :

(أنني أقصد أن السكينة تكتب الألم في قلوب الناس إن إستعملت في قتل أحبائهم ) فهذا إستعمال مجازي وهو مسموح به ومعقول أما إن لم يعني ذلك بل يعني نفس المعنى المفهوم عند أول السماع فهذا مجنون قطعا وانما نحن ننتظر أن يقول قولٱ اّخر حتى نقطع بجنونه.

وكذلك هناك جنون عملي وهو أن نرى لشخص غاية لا يطلبها أحد مثل أن نرى شخص يحضر سلم ليطلع عليه فتسأله لما تفعل ذلك ؟ فيقول لك إنه ( يريد ان يربط هذا الحبل بالشمس حتى يعلق الزينة ).

فهذا شخص يطلب ما لا يطلبه عاقل ولذلك نصفه بأنه مجنون لأنه طلب مالا يطلبه العاقل ولذلك فأنت يمكنك أن تعلم المجنون من خلال نطقه أي قوله ومن خلال فعله ايضٱ وهنا نصل للسؤال الكبير وهو (لماذا يجن البشر ؟)

لماذا يجن الانسان ؟

في الحقيقة لا أدري إن كان للجنون اسباب بدنية أم لا ولكني متيقن من وجود اسباب عقلية واعني بالاسباب العقلية اي معارفنا المتعلقة بخير أو شر أو جمال أو قبح فمجرد إدراكك لخير أو شر أو قبح أو جمال هائل عظيم قد تؤدي بك إلى الجنون.

وكذلك لو كنت تتوقع خير أو شر في المسقبل فإن نفس هذا التوقع والفكر فيه قد يؤدي إلى الجنون.

ومثال ذلك أن نتخيل رجل عاد إلى منزله فوجد أن زوجته وأطفاله الخمسة قد ماتوا بسبب طعام فيه سم فإن معرفة هذا الرجل بهذا الحدث والذي هو شر عظيم بالنسبة له قد تؤدي به إلى الجنون.

وكذلك لو إفترضنا شخص فقير ظهر له قريب متوفي ذو ثروة طائلة وعلم أنه ورث منه مليار جنيه مثلا فإن هذه المعرفة المتعلقة بخير عظيم حصل عليه قد تقوده إلى الجنون.

وفي الغالب يكون هذا الجنون لحظيا !! أما الفكر في خير أو شر قد يحصلان في المستقبل فمن الممكن أن يقود كثرة الفكر في ذلك إلى الجنون لأنه يفتح عليك باب الإمكان وأنه يمكن أن يحدث كذا ويمكن ألا يحدث كذا فتجد سيل من الافكار تنقدح في النفس بسرعة رهيبة كلها متعلقة بهذا الخير الممكن أو الشر الممكن.

وكذلك من طالع شئ شديد الجمال دفعة واحدة فإنه قد يجن ومثال ذلك مطالعة النسوة لجمال سيدنا يوسف فإن هذه الرؤية للجميل الباهر في جماله تحدث في النفس بهجة قد لا يحتملها القلب.

وكذلك هناك نوع من الصوفية إسمهم البهاليل وهم مجانين الصوفية وهؤلاء قد طالعوا من الجمال والجلال الالهي امرا عظيما باهرا لم تحتمله عقولهم فزالت عقولهم وفي زوالها رحمة لهم لأنه لو ظلت عقولهم باقية لتفتت قلوبهم بسبب تللك اللذة العظيمة التي شعروا بها عند مطالعة الجمال والجلال الالهي، بل إن الجنون يعتبر رحمة إلهية للانسان الذي اشقاه عقله أو ابهجه عقله فهناك بهجة أو شقاء لو داما لانشق القلب إنشقاقا وتهدمت أركان الروح وانهدت ركائز النفس.

ولذلك تتسارع الرحمة الالهية وقتها وتسلب عقل من تعرض لشئ من ذلك حفاظا على قلبه وروحه وليس هذا مقتصر على الصوفية فقط بل الانسان العادي الذي يتفكر في هموم الدنيا وشرور محتملة هو شخص قد أشقاه عقله وربما يزيد معدل الشقاء بدرجة لا تحتمل فيكون في سلب العقل رحمة من هذا الوجه.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع