كيف سيكون النداء التالى ؟
يعتقد البعض أن كف أذاه عنا؛ فضلٱ منه وكرمٱ علينا، من واجبنا أن نشكره عليه، فالزوج الذى لا يضرب زوجته محترم جدٱ، والذى لا يسرق من عهدته ملاك ومثالى، والذى لا يتحرش بالإناث فى الشوارع متدين وعارف بالله، والمحجبة متدينة وفى قمة الإلتزام، والذى ينفق على بيته نموذجى وخيالى، والذى يستذكر دروسه طالب ممتاز ونجيب، والجار الذى يلقى السلام على جاره عظيم ونبيل، والذى يؤدى السنن ويصوم النوافل متطرف.
ولما نشرنا هذه الصور على أنها أفضال وزيادة؛ أصبحنا نرى فضلٱ فى كل ما نفعله تجاه بعضنا البعض، حتى وإن كان أصول ومبادئ وفروض.
نرى فضلٱ فى مجرد كف أذانا عن بعضنا، وهذه هى المرحلة التالية للشعور بالتفضل لمجرد فعل الواجب.
فالمستوى الأول؛ أن نفعل الصواب معتقدين أننا نفعل الصواب الذى هو من صميم واجبنا الأساسى.
والمستوى الثانى؛ أن نفعل الواجب مع شعور بالفضل والرضا الزائد عن أنفسنا، والخيلاء.
المستوى الثالث؛ أن نشعر بالعظمة والأُبّهة لأننا نكف أذانا عن بعضنا البعض.
والمستوى الرابع؛ وأسأل الله ألا نصل إليه؛ وهو ألا نجد ضرورة أو مدعاة لكف أذانا عن بعضنا فنصبح كالحيوانات بل أشد شرٱ وفوضى.
أسمع بعض الناس يقولون ” ده أنا لو حطيتك فى دماغى هاكرّهك فى نفسك”، ” إنت لسه شوفت حاجة ؟ “، ” إنت مشوفتش وشى التانى”.
وليس من مبرر للتهديد والتخويف، ولكن ثمة شخص قرر أن يشعر بالتباهِ والإفتخار، لأنه كف خططه القذرة ويده ولسانه عنّا، فهو يرى أن شره ملكة وموهبة من الخرق والحماقة عدم إستغلالها لإخضاع الجميع.
كنت أعرف شخصٱ مشتركٱ فى جمعية، يدفعها لمنظم الجمعية بواسطتى، فيعطينى قيمة الجمعية كل شهر وأوصلها أنا إلى المنظم.
أذكر مع كل دفعة من هذه الجمعية وبعد أن قبض فى الشهر الأول؛ شعوره بالتفضل والعنجهية لأنه يدفع جمعية قد قبضها، وكأن الطبيعى، أن يقبضها فى الشهر الأول ثم يتهرب من الدفع وإلا كان ذليلٱ.
كما أذكر وأنا فى المدرسة فى الصف الثالث الثانوى؛ كانت هناك مجموعة من الفتيات الضائعات الفاشلات المجرمات، اللاتى يخلقن الصراعات ويضربن زميلاتهن، وأنا لم تكن لى علاقة بهن على الإطلاق.
وذات يوم وكانت إحداهن تقف فى ممر ضيق، لا يسع كلانا ولا يسمح لى بالمرور إلا إذا أفسحت هى لى، فاستأذنتها ” ممكن أعدى ؟” ، فنظرت لى نظرة طويلة وعميقة وكأنها تقيّمنى قبل أن تجيب وتقول ” هاعديكى علشان عجبتنى” ممكن أعدى ” بتاعتك “، وتركتنى أمر وكأنها تفضلت على بكرم بالغ، كان يمكن أن تستبدله بالرفض أو أن تقول مثلٱ ” مش هاعديكى وهادفنك مكانك “.
كذلك فى العائلات التى يتابع فيها شخصٱ معينٱ توزيع ميراث متوفيٱ، يكون أحيانٱ هذا المتابع شاعرٱ بقمة الفخر والزهو لأنه يحكم بما أنزل الله، وكأن من حقه أن يسلك سبيل آخر من الجور والظلم وسوء التوزيع ولكنه ( كتر ألف ألف خيره) إلتزم بالصح، بينما كان الخطأ ( أوبشن ) حاضرٱ معه طوال الوقت.
فى الوحدات السكنية التى تملّكها أصحابها، ويشتركون معٱ كجيران فى إصلاح وصيانة ما يحتاج إلى إصلاح أو صيانة، تجد بعضهم وهو يدفع نصيبه من قيمة هذه الصيانة؛ يشعر بالرضا والفخر لأنه يشارك فى الدفع، مع أن الحكمة تقول ( بوظ الحاجة وهما يصلحوا ).
إن كنا يملأنا العُجب لأداء الواجبات، فكيف سنشعر وإلى أى مدى سيملأنا الفخر بالذات؛ إن قدمنا بالفعل ما يزيد عن الواجب وتخطينا إلى الفضل، الذى أوصانا به الله توصية صريحة ” ولا تنسوا الفضل بينكم “.
نحن فى زمن ( ولا تنسوا أقل الواجب بينكم ).
وبعد قليل ننادى ( لا تقتلوا بعضكم يرحمكم الله ).
كيف سيكون النداء التالى ؟؟؟