جذور فلسفة التعايش بين الإسلام والمسيحية
تبدو فلسفة التواصل والتعايش مع الآخر أمراً ضرورياً وملحاً في عصرنا الراهن، حتى نواجه جحافل العنف التي بدأت تطفو على السطح بسبب التعصب.
إننا مطالبون بأن نتجاوز إذا حدود الماضي بكل إشكالياته وأدرانه وسوءاته، وأن ننظر إلى الآخر على أنه جزء لا يتجزأ من كل كبير قوامه حضارة نشأت في ظل الدولة الإسلامية، أسهمت في بناء حضارة أوروبا الآن التي يرنو إليها القاصي والداني.
إنه من اللازم أن يدرك كل منا دوره الحقيقي المنوط به، وهو الدور الذي ينبغي أن يقوم به كل مفكر يرى في نفسه مثقفاً حقاً بأن يكون اتجاهه إلى إحداث حالة من الوفاق بين حضارتين: حضارة إسلامية وحضارة غربية، أو إن شئنا الدقة حضارة إنسانية واحدة لها فرعان: فرع إسلامي وفرع مسيحي.
لذا كان من واجب المفكرين أن يسهموا بآرائهم في قضايا مؤثرة وإشكاليات جمة: كعلاقة الفلسفة بالعلم، والغزو الفكري، والتوفيق بين الفلسفة والدين، والفكر المعاصر وعلاقته بالدين، والمبادئ التي يشترك فيها الإسلام والمسيحية.
وهذا يمثل لنا حصناً حصيناً في التصدي للتطرف الديني بكل أشكاله والتطرف العلماني بكل أشكاله أيضاً، ومواجهة الصراعات المسلحة بالفكر والعقل واللين.
ومن هنا تبدو مقولة الغزو الفكري كلاماً فارغاً ولا معنى لها، ويجب أن نؤكد على هذا الجانب في الكتب والدراسات والمقالات والمؤتمرات، فإننا ننظر إلى معنى غير المعنى الذي ينظر إليه معارضو الغزو الفكري، فعلى حين ننظر له على أنه أمر طبعي، حيث إن التنوع التقافي أو الثقافة الوافدة خير للوطن والأمة من حيث إنها أحد سبل التواصل مع الآخر الغربي، فقد نظر الرافضون إلى الشق الآخر من هذه الثقافة على أنها تحوي أفكاراً تخالف العقيدة والتقاليد، وتعد ضرباً للهوية العربية والثوابت الدينية.
ونحن نعتقد بدورنا أن الثقافة البناءة تفيد الوطن، وتفيد الدين في آن واحد وهذا ما كان يرجوه كل دعاة التسامح والحوار، غير أننا نرى بعض المفكرين يصدرون لنا نوعاً من الثقافة الهدامة التي لا تتناسب مع شرع أو عرف، وهذا النوع من الثقافة لا يمد جسوراً من التواصل والتحاور بين الحضارات، وإنما يمثل بالأحرى تغليباً لثقافة غربية على ثقافة الأمم والشعوب.
وقد يدل على ذلك ما يعج به مجتمعنا من أفكار دخيلة ومظاهر غريبة، لا تستند إلى ثقافة هادفة، وإنما تنطوي على مساوئ يرفضها العقل والدين، خصوصاً أن مجتمعاتنا في قطاع كبير من أبنائها بنت فكرتها عن الثقافة الغربية على الأمور الشكلية لا الجوهرية، فحصرتها في المأكل والملبس، وغيرها من المظاهر الشكلية، متغافلة جوهر هذه الحضارة من اهتمام بقيمة العلم والعمل والسعي الجاد نحو المستقبل، والإيمان بمبادئ الديمقراطية والشورى في الحكم.