قصة عن عدل الخليفة المأمون
إشتهر الخليفة المأمون بإحسانه وعدله وما يتمتع به من تقوى الله، وفي أحد الأيام وكعادة الخليفة كان جالسًاً ينظر في القضايا التي تخص رعاياه ليقوم بالحكم بينهم بما يحقق العدل، فهو دائمًا ينصف أي مظلوم ويأتي له بحقه من أى ظالم، وقد كان الخليفة المأمون ينظر في قضايا الشعب كل يوم جمعة وذلك في الصباح الباكر.
وكان يجلس لينظر في هذه القضايا حتى موعد صلاة الجمعة، وقد كان الخليفة حريصًا على أن يعلم الناس هذا الموعد حتى يأتي له كل مَن لا يستطيع تقديم مظلمة مكتوبة، وبالفعل كان الناس يأتوا إليه في هذا التوقيت، وفي يوم جمعة كان الخليفة يجلس كعادته وعندما إقتربت صلاة الجمعة نهض مسرعًا إلى المسجد ليصلي.
وبينما هو في الطريق إلى المسجد فإذا به يجد إمرأة فقيرة جالسة على الطريق تقول أبيات من الشعر بها مدح له ووصف لعدله، ثم بعد ذلك قالت له المرأة عندما اقترب منها إنها سيدة فقيرة أرملة وضعيفة ولا يوجد لديها عمل لكي تنفق على أولادها منه، وهي لا تملك إلا حديقة صغيرة لكن هناك رجل ظالم أستولى عليها.
وكانت تحكي له كل ذلك من خلال أبياتًا من الشعر، فظل الخليفة يفكر في الرد عليها بنفس الأسلوب فنظم بعض أبيات الشعر ليرُد عليها، وقد حرص على أن يخبرها من خلال شعره أنه بالفعل متأثرًا بما قالت، ولكنه الآن في عجلة من أمره لكى يؤدي صلاة الجمعة على وعد منه أن يتحقق من هذه الشكوى في الجمعة القادمة طالبًا منها أن تأتى في يوم الجمعة ومعها مَن استولى على حديقتها.
ووعدها أن يقوم بإنصافها إن كانت على حق وأن يرُد لها هذه الحديقة، وبالفعل جاءت المرأة في يوم الجمعة وذهبت إلى الخليفة الذي كان يجلس حوله كبار رجال دولته وبعض الحكماء والقضاة.
وعندما نظر إليها الخليفة قال لها: ألم أطلب منكِ أن تحضري من استولى على حديقتك، فقالت له: نعم يا سيدي، قالت له أين هو: فقالت له إنه يقف بجانبك، إنه ولدك العباس!
تعجب الخليفة من كلام السيدة ونظر إلى ولده صامتًا يفكر فيما يفعل، ثم قال لقاضي القضاة، عليك أن تنظر هذه القضية لأن ولدي طرفًا فيها، فوافق قاضي القضاة وأحضر العباس ابن الخليفة وأحضر المرأة ثم سردت المرأة حكايتها وهي تبكي وتصيح بأعلى صوتها، بينما العباس ابن الخليفة صامت لا يتكلم.
ومن كثرة صياح المرأة ذهب إليها أحد الحراس وقال لها تحشمي يا امرأة فإن صوتك يعلو في حضرة الخليفة، لكن الخليفة قال له أتركها إنها تتكلم بصوت المظلوم، ثم التفت إلى القاضي وقال له: أحكم لها بحديقتها فإن الله الحق أنطق لسانها وأخرس لسانه.
وحكم للمرأة بأن تعود لها حديقتها وأن يدفع لها ولده غرامة وكاد أن يحبسه لمدة أشهر لولا أن المرأة قد تنازلت عن حقها في حبسه وخرجت وهي تقول لقد أنصفني الخليفة على حساب ولده لأنه نفّذ أوامر الله في العدل وإرجاع الحق لكل مظلوم.