أهرب ولا أبالى
يرى كثيرون أن المواجهة هى السبيل الأسرع والأيهل لحل المشكلات وحسم الأمور ، والتخلص من الحيرة والتردد فى كثير من المواقف والأحداث اليومية إن لم تكن كلها.
يراها البعض سذاجة وسوء تقدير وبحث عن المتاعب، وأن المواجه شخصٱ غبيٱ أرعنٱ لا يفهم كيف يصرّف أموره فى هدوء ودهاء ويعى كيف تسير الأمور بالسبيل الأيسر والأضمن.
إنهم يرون أن الصواب هو الهروب، الهروب وفقط، أن يهرب المرء من مسئولياته ومن عمله ومن زوجته ومن أهله وأخوته وأولاده والنقاشات والمصروفات والاجتماعات والتجمعات والزيارات والمكالمات وكل ما من شأنه شغل البال وبذل المجهود أو المتابعة أو حتى التفكير.
هذا الهارب راضِ كل الرضا أن يظهر فى هيئة المتراخِ الفاتر المقصر الأنانى الضعيف وقل ما شئت طالما سيرتاح.
فهو يجد فى( كل شئ) إرهاق له ومجهود زائد عليه، ولأنه لا يتحمل هذا المجهود الزائد؛ فإنه يهرب، يهرب ليستريح ويضمن أنه هكذا أخذ حقه ( وتمام التمام ).
متصالح جدٱ مع لا مبالاته وسوء فهمه وأثرته وتراجعه شبه الدائم وانحرافه عن أى طريق يأخذه إلى الأمام فى العمل أو إنجاز ما أو تخطى أزمة أو علاج مشكلة أو إثبات وجود أو ( أى حاجة كويسة).
ذات يوم وكنت أتحدث مع واحد من هؤلاء فإذا به يقول بالحرف” الراجل بيطلب منى حاجات كتير بقلب جامد، فاكرنى كويس”.
فهو يعلم أنه غير صالح ولكنه لا يغير شيئٱ، فالبعض مثلٱ لا يعرف أن الصلاة عماد الدين فلا يصلى، والبعض يعرف أنها عماد الدين ولكنه لا يؤديها، أو شخص لا يعرف أن الجهل طريق الفشل فلا يتعلم، وآخر يعلم أن الجهل لا يودى بصاحبه إلا إلى ظلام، إلا أنه لا يتعلم أيضٱ، هو كذلك يعرف أن هذا الذى يفعله والذى يضم البلادة مع البلاهة مع الاستهتار والاهمال ولا يبالى، ولا يحرك ساكنٱ.
( كله يهون فى سبيل الحفاظ على هدوء أعصابه وعدم إزعاج شعر رأسه، مهما حدث حوله فالهروب هو الخيار الأقرب بل والأوحد والأسلم بلا منازع.
قد يكون هذا الهرب بالنوم أو بالفرار فيزيائيٱ من المكان أو بالصمت أو ببيع شخصٱ حتى ولو بينهم عشرة وقطع كل العلاقات معه، قد يكون بصم الأذن عن سماع الطرف الآخر أو بالتظاهر بالانشغال.
السخيف أن هذا الشخص المريب لا يقبل هذا الهروب من أحد، بل يطالب بحقه دائمٱ من كل من له عنده حق، بكل تبجح وكأن احترامه وتقديره فرض على الجميع، وأن عدم تقديره لأحد فرض عليه.
فى الغالب أحكامه بوجه عام غير منظبطة، فبعض الأحداث الكبيرة مادامت ستسبب له توترٱ وضغطٱ نفسيٱ فهى ليست ذات قيمة أما إن كانت تخصه هو فهى تستحق الحديث والبحث والتنفيذ وبأسرع وقت.
يكذب كثيرٱ؛ فهو لكى يتمكن من الهرب يعدد المبررات والأسباب لهذا الهروب والتى عادة ما تكون من خياله المحض، فقط للخروج من التضييق عليه بالتساؤلات حول سبب الفرار الدائم.
أنانيٱ بالطبع؛ فهو لا يفعل لأحدٱ شيئٱ قط ويرى أن أداء خدمة لأحد أو حتى السؤال عن إنسان فى أزمة مجهود مضنِ وضغطٱ نفسيٱ أولى به أن يوفره.