فلسفة الشك
مذهب الشك في الفلسفة أو “البيرونية” ويقصد بها الشك المطلق هو أحد المعتقدات الفلسفية التي ظهرت في الفلسفة اليونانية القديمة.
ومع الوقت ظهرت مذاهب شكوكية مختلفة، غرضها الأساسي هو محاولة لتحجيم اعتقاد الشخص بأنه يملك “الحقيقة المطلقة” فكل شيء قابل للشك.
لكن ضروري فهم المقصود بالشك في الفلسفة، فالشك الفلسفي ليس مجرد تشكيك أحمق بدوافع عاطفية، إنما شك منطقي قائم على مقدمات سليمة، ومسلسل بشكل يهدف إلى تنقيح المعلومة أو الوصول إلى حالة عصف ذهني، تزيد من وعي السائل والمسؤول.
يقول الجرحاني في معجم “التعريفات” أن الشك هو “التردد بين نقيضين، ولا ترجح أحدهما على الآخر”.
وللشك في الفلسفة خصائص؛ منها توقف الشكاك عن إصدار أحكام سواء بالقبول أو الرفض، قدرة الشكاك على الاختيار بين النقيضين، وانتقاء أفضلهما عن طريق تحليلهما بشكل منطقي، ويكون قادر بالمقدار نفسه على قبول كلاهما وفي الوقت نفسه رفض كلاهما.
والشك حرية شخصية وليس جهلاً، بل هو موقف واعي يتم عن طريقه الوصول إلى اليقين، واليقين في الفلسفة هو الإقرار والإيمان بصحة حقيقة ما، ويكون هذا الإيمان مدعوما بالأدلة، ويتميز بانحياز واضح وصريح لحقيقة أو موقف معين، ويكون يقينه مدهم حتما بأدلة منطقية وتسلسل أفكار واضح يؤدي لإقرار الحقيقة.
وإلا فهو ليس يقين فلسفي إنما مجرد موافقة عمياء على أمر ما، ويجب أن يكون اليقين عن طريق قدرتك على برهنة الحقيقة نفسها، وكذلك يتسم اليقين مثل الشك بأنه حرية شخصية وقرار واعِ حر من الفرد، وليس مجبورا عليه أو تابعٱ فيه دون فهم.
فجر ديكارت ببساطة فكرة في كتابه “تأملات ميتافيزيقية” وفيه محاولة لدحض الشكوكية بعد أن جعلها هو نفسه أقوى مما كانت بمرات!
فقد قال فيه أنه بالرغم من كل الاحتمالات الشكوكية التي تتسم بالتطرف، إلا أنه لا زال هناك بعض الحقائق الثابتة، مثل أن التفكير يحدث، ومثل أنني موجود!
وتلك حقائق مؤكدة بشكل قطعي، وهو ما يدحض إدعاء الشكوكيين أنه لا يوجد ما هو حقيقي قطعاً!
وبالتالي تمكن ديكارت من إعادة النظر في مفاهيم الشكوكيين من حيث إنكارهم أنه يوجد حقائق مطلقة،
ومع ذلك تتمركز منهجية الشك الديكارتي في أربعة محاور أساسية، أولها عدم القبول بأي حقائق إلا التي تيقن من صحتها.
ثانيها تحليل الحقائق إلى وحدات صغيرة متتابعة وصولا لأصلها.
ثالثها حل المشكلات من أصغرها إلى أكبرها والانتقال بشكل منظم من الحقائق المبرهنة بالفعل إلى المجاهيل التي تحتاج لبرهان.
ورابعها العمل على خلق قائمة جديدة بالمشكلات التي تظهر إضافيٱ أثناء رحلة البحث عن الحلول.