مقالات نورا عبد الفتاح

الأسرة النموذج

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قلت يا جبريل: فما تفسير الزهد؟ قال: الزاهد يحب من يحب خالقه، ويبغض من يبغض خالقه، ويتحرج من حلال الدنيا ولا يلتفت إلى حرامها، فإن حلالها حساب وحرامها عقاب، ويرحم جميع المسلمين كما يرحم نفسه، ويتحرج من الكلام كما يتحرج من الميتة التي قد اشتد نتنها، ويتحرج عن حطام الدنيا، وزينتها كما يتجنب النار أن تغشاه، ويقصر أمله، وكان بين عينيه أجله.

لى صديقة تتصف هى وأسرتها بصفة لم أقابلها فى إنسان قط؛ هذه الأسرة تتصف بالزهد أو بالنصج الدينى إن صح التعبير؛ فالزهد فى كل شئ لا يأتى إلا من نضجٱ دينيٱ شبه كاملٱ وهى مرحلة تلى التدين العادى بدرجاته كلها.


هذه الأسرة لا تفرح بشدة ولكنها لا تحزن بشدة، لا تدخل فى صراعات ولكنها لا تخشى المواجهات، لا تكره الناس ولكنها لا تحتاج إليهم، لا تنصح ولا تأمر ولا تنهى ولكنهم أعلم من رأيت بأمور الدين.

هذه الصديقة توفيت أمها وبعد شهر ونصف تقريبٱ أكملت زواجها وبدأت حياتها، هل لأن مكانة أمها ضعيفة لديها أو لدى والدها، لا والله وإنما لأنهم راضون باختيار الله فى أن يأخذ الأم إلى جواره ويعلمون أن الموعد كان محددٱ منذ زمن وليس من حقهم الحزن الطويل أو عدم التسليم.

فى زفاف هذه الفتاة وفى حفل خطبتها والذى لم تكن الأم قد توفيت وقتها، لم تكن هذه الفتاة شديدة السعادة؛ هى ليست حزينة ولكنها ليست مرفرفة من الفرح كبعض الإناث اللاتى يجدن فى الزواج الإنجاز الأكبر ونهاية النفق.

ولكنها تتعامل مع فكرة الزواج على أنه أحد رسالاتها فى حياتها، وعليها إتمامها وها هى تبدأ بهدوء.

هذه الفتاة مرضت أمها لفترة ليست قصيرة حوالى ثلاث سنوات أى 1095 يومٱ وحملت هذه الفتاة مسئولية البيت وأمها وإخوانها الأربعة ولم تنطق بكلمة شكوى واحدة.

أقسم أننى لم أسمع منها كلمة واحدة تنم عن ضيق أو أنها تعانى ضغطٱ من أى نوع، فهى فتاة تعلمت ولم تعمل ولكنها تقوم بمجهود لا تقوم به موظفة مرموقة أو إمرأة عاملة فى مركز مهيب.

هذه الفتاة وأسرتها يبعثون فى نفسى شعور لم أشعر به من قبل ولا أظن أنى سأشعر به فيما بعد، ففى الغالب لن أجد نسخة أخرى منهم.

دائمٱ أسأل عن والدها وأخشى أن تتدهور صحته وهو المريض بعدة أمراض بالفعل ولم يشكو قط، وأنا أخشى أن يفارق الحياة وأفقد ما آخذه منه من راحة وطمأنينة ورضا.

هذه الأسرة ليس لها أولويات مادية أو حتى معنوية، فأولوياتهم الوحيدة هى ماذا يريدنا الله أن نفعل، وما الذى سيرضيه عنا فى الدنيا ليرضى عنا فى الآخرة، وكأن الدنيا عندهم جسرٱ للجنة ولا شئ أكثر من ذلك، وهم لا يفعلون ذلك بخوف شديد من الله أو بشعور بالمسكنة وإنما بإقتناع تام ورضا ويقين أن هذا دورهم وواجبهم المؤقت فى الدنيا.

قال الإمام أحمد بن حنبل: الزهد على ثلاثة أوجه الأول: ترك الحرام، وهو زهد العوام.
والثاني: ترك الفضول من الحلال، وهو زهد الخواص.
والثالث: ترك ما يشغل عن الله، وهو زهد العارفين.


ومن دعاء الإمام على فى طلب الزهد؛
اَللَّهُمَّ اِنّي اَسْأَلُكَ سَلْواً عَنِ الدُّنْيا وَ مَقْتاً لَها، فَاِنَّ خَيْرَها زَهيدٌ، وَ شَرَّها عَتيدٌ، وَ صَفْوَها يَتَكَدَّرُ، وَ جَديدَها يَخْلَقُ، وَ ما فاتَ فيها لَمْ يَرْجِعْ وَ ما نيلَ فيها فِتْنَةٌ، اِلاَّ مَنْ اَصابَتْهُ مِنْكَ عِصْمَةٌ، وَ شَمِلَتْهُ مِنْكَ رَحْمَةٌ، فَلا تَجْعَلْني مِمَّنْ رَضِىَ بِها، وَ اطْمَأَنَّ اِلَيْها وَ وَثِقَ بِها، فَاِنَّ مَنِ اطْمَأَنَّ اِلَيْها خانَتْهُ، وَ مَنْ وَثِقَ بِها غَرَّتْهُ.

ليحفظ الله هذه الأسرة من كل مكروه وسوء، ويزيدهم إيمانٱ وثباتٱ ورضا وتقوى، ويمتعنى بوجودهم ويؤنسنى بحديثهم، اللهم آمين.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع