علم نفسمقالات نورا عبد الفتاح

إتضح أن ..

ظننا وظنوا أن من نسميهم نماذج مثالية أو فريدة وخيالية (حاجة حلوة وصح) وشيئٱ ممتازٱ، يفعلون الصواب يتقنون كل شئ، منظمون، لبقون، أقوياء، ملتزمون، عباقرة وحكماء، حسنى التصرف كل الوقت وتحت أى ظرف، كرماء، عظماء، نبلاء تملأهم الشهامة والنجابة والذكاء والرصانة والخير …إلى آخره.
وكأنهم مخلوقات غيرنا، فألزمناهم بصفات خيالية وليس لها وجود وفوق طاقتهم وأصبحنا ننتظرها منهم فى كل وقت وحين.

وابتلعوا هم الطعم وصدقوا أنهم نماذج مثالية وليس من حقهم الوقوع فى الخطأ لأنهم أصحاء والجميع ينتظر منهم الصواب ولا مجال للخطأ، فالجميع لا يتوقع ولا يقبل منهم السهو أو السقوط، ولا هم يقبلون من أنفسهم الوقوع فى الخطأ وإرتكاب أى شئ غير عين الصواب.

ولكن إتضح لنا وتجلى حقيقة ما، تهدم كل هذا الكلام الفارغ وتقول أن هؤلاء المثاليون الذين نسميهم نماذج علينا تقليدها وإتباعها، إنما هم حفنة من غير الأسوياء ويحتاجون إلى تغيير توجهاتهم وأفكارهم وإدراكهم لأغلب الأمور.

بل ومعرضون إلى العديد من الأمراض النفسية مثل إضطراب الهلع إن كان مستمرٱ أو نوبات الهلع إن كانت فى أوقات متباعدة وإضطراب القلق العام والفوبيا بأنواعها والإكتئاب وغيرها من الإضطرابات الناتجة عن الضغط المستمر والمعاناة النفسية الطويلة بلا جدوى وبلا أمل، فكل هذا الضغط النفسى الذى يمارسونه على أنفسهم لسنوات قد تبدأ من الطفولة وحتى الكهولة لابد له وأن يعبر عن نفسه، فكيف سيعبر إلا من خلال إضطرابات نفسية متعددة ومتشعبة، فتجد الواحد منهم لا يعانى فقط من إضطراب واحد، بل من مجموعة من الإضطرابات المرتبطة ببعضها والتى تعتمد على الضغط النفسى المتزايد، بل وعندما يصابوا بهذه الأمراض ويذهبون لزيارة الأطباء النفسيين وتملأهم الثقة بأنهم ضحايا للمذنبون المحيطون بهم فى كل مكان، يقابلهم أطبائهم بمفاجأة جديدة بأنهم هم المخطئون وأنهم عليهم صياغة أفكارهم من جديد وترويض أنفسهم على إدراك الأمور ( كلها ) بشكل جديد، مهما تكلف ذلك من ضغط جديد وجهد كبير.

إتضح أنهم ظالمون لأنفسهم لأنهم يحملونها فوق طاقة البشر ويهضمون حقها فى أن تخطئ وتقصر وتغار وتفشل وتسقط وتتراجع وتعيش كباقى مخلوقات الله، وكل هذا بلا فائدة لأنهم بالطبع سيخطئون مهما حاولوا إتباع الفضيلة ولأن ( ده الطبيعى واللى ميعملش كدا يبقى مش طبيعى ) كما يهضمون حقها فى أن يقبلها الآخرون ببعض تقصيرها وفشلها وسقوطها.


كما إتضح أنهم ظالمون لكل من يتعامل معهم بعدم مغفرتهم لأخطاء الآخرين فى أغلب الأحيان وعدم تقبل فكرة ( الغلط ) وأنه حق لكل مخلوق، إتضح أنهم خانقون بتركيزهم فى التفاصيل لأقوال وأفعال الغير التى يمكن جدٱ أن تمر هكذا كأنها لم تكن.

إتضح أن هؤلاء النماذج المثاليون يصدرون أحكامٱ على الآخرين دون حق ودون فائدة، يقطعون علاقات ويفسدون أسعد الأوقات ويصعبون الأمور على أنفسهم وعلى غيرهم دون توقف وبلا إلتفات.

يقول علماء النفس أن 80٪ من البشر هم الأسوياء الذين يخطئون ويصيبون، يسقطون وينهضون، يفشلون وينجحون، يلتزمون ويقصرون، يستريحون ويعملون.
وأن 10٪ من البشر من غير الأسوياء تملأهم الرعونة واللامبالاة وسوء التصرف والحقد والحماقة والفسق والتقصير فى كل الاتجاهات، وهم متصالحون جدٱ مع هذه الفوضى ولا ولن ينتوون تغييرها أو إصلاحها.
وأن ال 10٪ الباقية هم المثاليون الغير أسوياء بدورهم والذين لا يقبلون القصور منهم ولا من غيرهم ولا ولن ينتوون تغيير توجهاتهم وإدراكهم للأمور.

إتضح أن من نظنهم نماذج مثالية ( ولا مثاليون ولا يحزنون ) وإنما هم جماعة من المضطربين الذين يحتاجون إلى ضبط إدراكهم لأغلب الأمور وتعديل مسارات تفكيرهم.

وإتضح أيضٱ أن النموذجيين الحقيقيين هم ال 80٪ الأسوياء الذين يتقبلون الأبيض والأسود، الصواب والخطأ، الهدوء والفوضى، العمل والراحة، الذين يريحون أنفسهم ومن حولهم ويعيشون الحياة فى صورة أقرب ما تكون إلى الحياة الصحيحة.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع