اللى بيموت يوم الجمعة
العديد من البوستات على مواقع التواصل الاجتماعى التى تحمل صور مشاهير داخل سيارات فارهة أو حفلات أو بملابس باهظة أو مقتنيات ثمينة وتجد عليها تعليقات مثل ( وأم فلان اللى ساكنة فى شقة 70 متر تقوللك إبنى اتحسد علشان بيسنن أو بنتى اتحسدت علشان اشتغلت ممرضة أو جوزى اتحسد علشان قبض جمعية 1000 جنيه ).
الحقيقة أن الذى حسد السيدة التى تسكن فى الشقة ال 70 متراً، تمنى زوال نعمة المال الذى قبضته من الجمعية أو تمنى وظيفة ابنتها بدلا منها وبالفعل يركز على زوال النعم التى تمتلكها أم فلان حتى وإن بدت أنها بسيطة وليست موضع حسد.
ولكن المشاهير الذين يستعرضون مقتنياتهم ربما لا يحسدهم الحاسدون بنفس القدر، لأنهم منبهرون فقط، ويستبعدون كل الاستبعاد أن ينالوا ولو قدر ذرة مما يمتلكه هؤلاء المشاهير.
أما الممتلكات البسيطة لدى الفقراء أو متوسطى الدخل فالحصول عليها ممكن والأمل فيها أكبر ولذلك يتمنونه حتى لو زال من غيرهم.
الكثيرون يحسدون الجميع طوال الوقت وبلا رحمة وبلا توارى.
قرأت ذات يوماً بوست على الفيس بوك يسخر من الحاسدون فيقول ( بيحسدوا الميت اللى بيموت يوم الجمعة ).
وكنت جالسة مع مجموعة من الناس أظنهم من هؤلاء الذين لا يكفون عن متابعة الناس بنفس غير سمحة فقلت لهم كنوع من إرسال رسالة غبر مباشرة، فقرأت لهم البوست، فإذا بأحدهم يقول لى بكل جبروت ( آه الكلام ده صح، اللى بيموت يوم الجمعة مبيتحاسبش على الكبائر ).
بصرف النظر عن صحة المعلومة من عدمها، إلا أن حتى الميت الذى زهقت روحه وفارق أحبابه، والله أعلم كيف سيسير حسابه وهل سيؤول إلى جنة أم إلى نار؛ لم ينجو من حقدهم.
فى إحدى التجمعات مع معارف قديمة سألتنى إحدى الحاضرات ( إيه ده، هى دى الدبلة بتاعتك بتاعة الخطوبة ؟ لسه بتيجى على مقاسك ؟)
فقلت لها ( آه هى ).
فقالت :(ربنا ينتقم منك، ده أنا باغير بتاعتى كل سنة، وبتاعة السنة اللى فاتت مبقتش على مقاسى).
وذات مرة وفى أحد الشوارع وأنا أسير سريعاً نوعاً ما، شعرت وكأن شيئاً يبطئنى وكأنه يدفعنى إلى الخلف أثناء سيرى للأمام وأن رؤيتى غير واضحة، فقلت لنفسى ( أنا مالى مش قادرة امشى كدا ؟ ومش شايفة كويس، وعلى الفور تذكرت هذين الشعورين معاً؛ عدم الرؤية مع شعورى بعدم القدرة على التقدم فى السير ببداية أعراض كورونا فى العام الماضى فقلت ( أنا جالى كورونا تانى ولا إيه ؟ )
ولكنى نفضت الفكرة سريعاً واستمريت فى السير وقلت لنفسى، ( لا، لا، أنا جالى كورونا السنة اللى فاتت ومش هيجيلى تانى ).
فى نفس اللحظة إستوقفنى شاباً فى حوالى التاسعة عشرة أو العشرين وقال لى ( ساعدينى بأى حاجة ) فقلت له ( إنت مبتشتغلش ليه ؟ ) فنظر لى نظرة تعجب فسألته : (طب أجيبلك حاجة تاكلها ؟ ) فقال : لاء، أنا عايز فلوس.
فقلت له : أنا ممكن أجيبلك حاجة تاكلها لكن مش هاديك فلوس.
فقال : طب هاتى إزازة المية اللى فى إيدك دى.
فقلت له : بس فيه أمراض منتشرة مش خايف تتعدى ؟
فقال : لا انتى شكلك مافكيش حاجة، هو انتو بتعيوا انتو ؟ إحنا بس اللى بنعيا، إنما انتو بتاكلوا وتشربوا كويس هتعيوا إزاى ؟!!
وحتى لو عيتوا، هيبقى معاكوا فلوس تتعالجوا.
فقلت : ممكن يكون أى حد عنده حتى لو بياكل كويس ومش باين عليه.
فقال : لا، انتى صحتك كويسة ومعندكيش أى أمراض.
وبعدين مافيش أمراض منتشرة ولا حاجة أصلا، انتى اللى مش عايزة تدينى المية.
فقلت له : أومال انت لابس كمامة ليه مادام مافيش أمراض ؟
فقال : علشان محدش يعرفنى.
هاتى المية بقى.
كل ده علشان إزازة مية ب 3 جنيه وشاربة نصها كمان ؟
أعطيته زجاجة المياه وقلت له : خلاص خد، بس متعملش كدا تانى، علشان فيه أمراض منتشرة فعلاً وممكن تتعدى.
فقال : يا أبلة بصى إنتى ماشية زى القطر إزاى ؟ تعدينى إيه بس ؟ هاتى المية بقى.
المهم أننى فى اليوم التالى إرتفعت حرارتى وتوالت الأعراض تباعاً وعلمت أننى مصابة بفيروس كورونا للمرة الثانية.
(يلا بالشفا عليه إزازتى اللى خدها وشربها كلها).
كذلك من أسوء مواطن الحسد من وجهة نظرى حسد السعادة أو الراحة، فتجد شخصاً تقول له أو تقول فى تجمع ( صباح الفل ) فتجد مخلوقاً غريباً يطلع يقولك ( والله إنت رايق وفايق ومبسوط ) !!
هل من المفترض أن نقول فى الصباح ( إصطبحوا على الصبح ) مثلا ؟
أين السعادة والروقان فى صباح الفل ؟
كذلك الجلسات المليئة بعبارات ( فلان غير عربيته وجاب كذا، فلان نقل من حى كذا وراح حى كذا أنظف وأرقى بكتير، فلان مسافر برا من 30 سنة ومعاه فلوس قد كدا، وفلان إترقى وبقى مرتبه الضعف ).
وليت كل هذا يقال بشكل هادئ أو كمعلومة؛ بل إنه يقال بنظرات وهمزات مليئة بالغل والحقد على صاحب النعمة وكأنه آخذ حقوقهم.
من الصعب القيام بحسد شخص بقول كلام حاقد فى وجهه مباشرة ( طب خبى طيب )، والسؤال هنا من أين أتوا بالشر الذى يجعلهم يتمنون زوال ميزة معينة من شخص ما، حتى لو لن يعود عليهم بأى نفع ( المهم يخسرها وخلاص ؟)
ومن العجيب أن هؤلاء الذين يحقدون على طوب الأرض وعلى الذبابة لأنها تطير وعلى السمكة لأنها تسبح، يعتقدون إعتقاداً راسخاً بأن الجميع يحسدهم ويتمنى لهم كل شر وأذى.
ومن العجيب أيضاً أنهم يحسدون من هم أقل منهم نعماً، وأسوء حالاً، فهم لا يكفون عن البحث عن ميزة واحدة أو مدخل واحد للسعادة فى حياة شخص ( ويرشقوا فيه )، بلا أى نظرة إلى باقى منغصات حياته أو مسببات الألم الذى يعانيه !
ليه بقى بيحسدوا بعض ؟
الإجابة على هذا السؤال نعرفها عندما نعرف الإجابة على : ليه بيكذبوا على بعض ؟
ليه بيخونوا بعض ؟
ليه بينصبوا على بعض ؟
ليه بيوقعوا بين بعض ؟
ليه بيقتلوا بعض ؟