ألا يبهرك الشيطان
لا نختلف على أن النفس أمارة بالسوء إلا من رحم ربى؛ ولكن لا نختلف كذلك على أن الشيطان شاطر بل وشاطر جداً، فهو لا يكف عن العمل ليلاً ونهاراً وظهراً وعصراً بكل دأب وتفان، فما من شيطان يتكاسل أو ( يكروت) عمله، بل كل شئ يقوم به يتقنه تمام الإتقان ويتمه على أتم وجه، وإن فشل مرة فيعيد المحاولة مرات ومرات ومرات، حتى ينال هدفه ويحقق ال target فى كثير بل أغلب الأحيان !
عنده من الطاقة صغيرا كان أم كبيراً ما يؤهله لإنجاز مهام لا حدود لها، فهو محب لعمله لا يكل ولا يمل ولا يناقش رؤسائه ولا يرفض مهمة ولا يتقاعس مرة أو يتهرب مرات !
لديه من الإصرار والمثابرة ما يدفعه للوسوسة لأقوى الأشخاص إيماناً وتديناً وبكل صبر؛ ولو لم ينل مبتغاه مرة فلديه القوة لتكرار المحاولة مرات عدة فإن لم تتحقق فليجرب عشرات المرة الأخرى فإن لم تتحقق فليكرر المحاولة لآلاف المرات فى محاولات متكررة طوال حياة الشخص !
يعرف ويختار الطرق المناسبة التى يدخل منها لكل شخص تبعاً لظروفه وأفكاره وحيثيات مشكلاته ومواقفه بما يحقق له أهدافه على أفضل وجه.
ينتظر مكافآت رؤسائه التى لا تنتهى، وهم بالفعل بارعون فى تقدير من ينجز عمله على الوجه التام ويشجعون مرؤسيهم كما ينبغى أن يكون التشجيع، وبلا توقف وكقاعدة ثابتة، بلا حجج أو مبررات.
ليس لديهم وسائط أو محسوبية ولا تمييز ولا عنصرية، فلا يفرق بين الموظفين سوى جودة عملهم ومقدار إنجازهم !
يخططون ويخططون ويهيأون الظروف والأحوال للإيقاع بالشخص الهدف حتى تكون السقطة قوية والوقعة أكيدة وطويلة الأمد.
الشيطان شاطر لدرجة أنه يقلب قاعدة أنه والإنسان أعداء ويتقرب من الإنسان حتى يصبح صديقه بل جزء منه بل يده وعينيه ولسانه، فيحركه تحريكاً، ويجعله راضياً عن فعله ومبرراً له ومقتنعاً به !!
بل ويعمل لدرجة تمكنه لتجنيد بعض البشر لصالحه فيعملون معه فى نفس الجبهة ضد البشر، فيوسوسون للناس كما يفعل، يقول لنا الله فى سورة الناس ( من شر الوسواس الخناس، الذى يوسوس فى صدور الناس من ( الجنة والناس ) مما يعنى أن هناك من يوسوسون للناس كالشيطان ولكنهم من الناس، فيعملون معه على الرغم من أن بينه وبينهم عداوة أبدية أزلية، إلا أن تفوقه ومهارته مكنته من أخذهم إلى جانبه والعمل لصالحه !
مجتهد جداً فى العمل المتقن العميق، فهو لا يقوم بالأعمال ( كروتة ) كما معظم البشر، بل يقوم بعمل عمييييق، فلو أراد أن يفسد حياة البشر كافة يبحث فى جذور الإفساد؛ القلوب والبيوت والعقيدة، لأنها هى أعمدة حياة أى إنسان، فلو أراد إفساد إنسان أفسد قلبه ويتولى فساد قلبه باقى المهمة، ولو أراد إفساد الدين عند إنسان أفسد عقيدته وإفساد عقيدته يتولى ضياعه، ولو أراد هلاك أمه أفسد بيوتها وإفساد بيوتها يتولى المهمة !
يضع هدف كبير جداً لحياته وهو إغواء كل البشر وإدخالهم النار؛ هدف كبير جداً وصعب جداً ولكنه يرى نفسه يستطيع ويثابر فى المحاولات الدائمة والمستمرة !
يتميز بميزة لا تراها تقريباً ( خالص ) فى أى مخلوق آخر؛ أنه لا يصاب بالإحباط أو الكسل نتيجة تثبيط المحيطين أو تكاسلهم، لم نسمع عن شيطان تأثر من تكاسل بنى آدم اللامتناهى أو تقاعس بسبب تقليده لبنى آدم المتخاذلين، فمن يرى مقدار الكسل الذى يتمتع به أغلب البشر ولا يؤثر عليه فهو بطل الأبطال.
أحياناً ما نقنع أنفسنا أن كيد الشيطان ضعيفاً، وهو بالفعل ضعيفاً وهذا هو كلام الله لنا، ولكننا لم نقتنع بعد أننا أحياناً كثيرة ما نكون أضعف من كيده الضعيف ونسير كيفما يسيرنا وباستسلام لا حدود له.
بعيداً عن عداوة الشيطان لنا وإصراره على إهلاكنا جميعاً دون أى جريرة وهو أكثر ما يمكن أن أكرهه فى أحد ( أن يؤذى غيره بلا سبب ) إلا أننى من زمن بعيد وأنا أنبهر بنشاطه المتواصل ومجهوداته الدؤوبة التى لا يطلب معها نوماً أو راحة.
ويبقى السؤال لماذا لم نتعلم منه النشاط وحب العمل ولماذا لم يتعلم منا الكسل والتقاعس ؟؟