علم إجتماعمعارف عامة

ما هو التحضر ؟

نظرَت بعض التصنيفات التاريخيّة للإنسان إلى نوعين منه، الأول هو الإنسان البدائيّ منذ ظهوره واستخدامه النار والصلصال والثمار غير المطهوة لأكلها وارتداء أوراق الشجر والتواصل عبر الأصوات.

أما النوع الثاني فهو الإنسان المتحضّر الذي نشأ حول المصادر المائية وعرف الكتابة في أشكالها البدائية حتى تطورها، التي كان لها أثر كبير في تغير نمط الحياة التي عاشها الإنسان البدائي القديم، وتغيّر نمط حياته وسلوكه البشري، واتجاهه إلى البحث عن التجمعات المدنية خاصة حول المصادر المائية ليتمكن من الاستقرار، خصوصًا بعد انتقاله من العيش في الكهوف المظلمة التي لا تصلها الشمس والصحاري القافرة، إلى الوديان والتلال ليسكنها، وكان هذا أول سبيل للإنسان للانتقال إلى التحضّر.


ما هو التحضر تمر المجتمعات الإنسانية بالعديد من المراحل للوصول إلى التحضّر، ولا تتساوى كل المجتمعات في الوصول إلى الدرجة نفسها، بل قد تمر بعض المجتمعات بمراحل من التعثّر والاضطراب حتى تصل إلى مرحلة معيّنة من مراحل التحضّر، أو حتى تبلغ أوجّه في التمدّن، في مجالات الزراعة والصناعة والصيد والتخشيب والتجارة والعمران … إلخ.

والتحضّر يختلف عن التمدّن، فعند طرح سؤال: ما هو التحضّر، فيقصد بذلك انتقال الإنسان من الصحاري والكهوف إلى الأرياف والوديان، ومن ثمّ المدن، وما يرافق هذا الانتقال من أبعاد اجتماعية واقتصادية وثقافية لمجتمع انساني معيّن أثناء الانتقال وأثناء الاستقرار في محيط ما يمكّنه من تلبية احتياجاته.

فالتحضّر عملية مجتمعية تصاحبها لزامًا حالة من التحول الحضري وما يرافقه في أوجه من وعي مدني، وما يرافقه من انتشار الأنشطة الثقافية والاقتصادية والتجارية والصناعية وتشرّبها، وانتشار الحريّة الفكرية والتعبيرية، ممّا يغدو معه رصد مظاهر التحوّل وآثاره الإيجابية، وأو مظاهره، ومشكلاته المختلفة، أمرا سهلا على الإنسان العادي، وتعدّ المعرفة بالمفاهيم المتنوعة، والوعي الحضاري، مستلزم أساسي للتحضر، فمعرفة الإجابة عن سؤال: ما هو التحضر مرتبطة بانتشار ظاهرة الحراك المعرفي وتراكمه وإعادة إنتاجه، ومدى مطابقة الأفكار الحضرية للحياة المعاصرة.

ويرتبط مستقبل التحضّر في كل حضارة من الحضارات بوعيها الحضاري الفكري والثقافي الشامل لحاجات الإنسان فيها وحاجات المجتمع، فالوعي لغة تنقّلت مدلولاته ليدل على ضمّ الشيء واحتوائه، ثم انتقل للدلالة على سلامة الإدراك والفَهْم بما في النفس وما يحيط بها، ثم استخدم إصطلاحيا للدلالة على “الإدراك العقلي الواضح بمتطلبات العمل الناجح”، وهذا يعني بالإجابة عن سؤال ما هو التحضّر، أن المشاريع الإنسانية الحضارية لا بدّ أن تمر بمراحل قبل وأثناء وبعد.

فهي تُسبق بتفكير موضوعي، ويتخللها السلامة وتوافقها نظريًا وعمليًا مع سنن الحياة.

وتشمل الإجابة عن سؤال ما هو التحضّر مفهومين أساسيين :

الأول الوعي الحضاري، والثاني الحضارة، فكل تحضّر وحضارة يحتاج وعيًا حضاريًا، وعليه فالحضارة كما عرّفها مالك بن نبي: “توفر مجموع الشروط الأخلاقية والمادية التي تتيح لمجتمع معين أن يقسم لكل فرد من أفراده في كل طور من أطوار وجوده منذ الطفولة إلى الشيخوخة المساعدة الضرورية له في هذا الطور أو ذاك من أطوار نموه”.

إذ يبدو لديه مفهوم الحضارة أوسع من مجرّد العمران، وهذا يدفع للتمييز بين مصطلحين: الحضارة والمدينة.

فالتحضّر والمتحضّر والحضارة مصطلحات ترتبط بالعيش في الحواضر، أما العيش في المدن هو ما يسمى بالمدنيّة والمدينة وهو ما يقوم به المتمدّن، ومصطلح المدينة يطلق على ارتقاء التحضّر والحياة الحضرية ثقافيًّا وفكريّٱ، في حين يطلق مصطلح الحضارة والتحضّر على الارتقاء الشكلي الذي يتمحور حول وسائل العيش وأدوات الإنتاج وطريقة تنظيم البيئة.

وبالتالي فإن الوعي الحضاري يمكن أن يُعرّف بأنه: “إدراك الفرد ومؤسسات المجتمع المختلفة بمسؤولياتهم الكبرى في بناء الشخصية الإنسانية المتكاملة والسعي في دفع عملية النهضة والتقدم المعنوي والمادي من خلال إصلاح الفكر والسلوك والواقع”.

التحضر في المفهوم الإسلامي :

كان القرآن الكريم في توضيح الإجابة عن سؤال: ما هو التحضّر الأسبق في التفريق بين المدنيّة والحضارة، وفيه ذمّ الله تعالى في عدد من آياته أقوامًا اقتصروا على المظاهر الشكليّة في تحضّرهم فقطعوا أشواطًا في العمران، واستخدام الموارد، وتصنيع الأدوات، ولكنهم أفسدوا في الأرض وعتوا فيها فسادًا، ولم يكن تحضّرهم مصحوب بوعي حضاري، مما تسبب ذلك في هلاكهم وإبادتهم.

فقال في محكم كتابه:

{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.

وقد كان هذا حال العديد من الأمم السابقة كقوم ثمود الذين قال فيهم تعالى:

{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}.

ولكن القرآن لم يغفل الصورة الصحيحة والفُضلي للحضارة بل والمدنية، فكانت المدينة المنورة أول مجتمع إسلامي يُشَكّلُ قمة التمدن والرقي الخلقي والسلوكي حسب المقاييس المدنيّة، رغم كونه قرية صغيرة.

مصطلحات التحضر :

عند البحث عن إجابة لسؤال: ما هو التحضّر، سيواجه القارئ عددًا من المصطلحات المرتبطة بهذا الموضوع، مع ملاحظة أن بعض المصطلحات تكشف عن مدلولات إيجابية وأخرى سلبية للتحضر وأوجهه، وهذه المصطلحات:

الحضرية:

وهي عملية تغير نوعي في نظرة الناس للحياة، وأنماط سلوكهم، والتنظيمات التي أوجدوها ومارسوها.

النمو الحضري: ويشير إلى ازدياد عدد سكان المدن ذات الأحجام المختلفة.

درجة النمو: ويشير إلى نسبة سكان المدن بالنسبة لمجموع السكان في الدولة، وهنا يحدث تغيّر اجتماعي، يتم فيه انتقال سكان الأرياف إلى المدن، وهنا قد يظهر النمو الحضري بوصفه ظاهرة سلبية لما يصاحبه من تضخم سكاني قد يصل إلى انفجار سكاني من خلال الأعداد الهائلة من الناس التي تصل إلى المدن من الأرياف لغايات العمل أو الاستقرار النهائي.

التكيّف الحضاري: اكتساب سكان المدن ممن انتقلوا إليها من الأرياف، أنماط الحضر، والحياة الحضرية.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: يمنع النسخ من هذا الموقع