فلسفة الأخلاق
عندما نتحدَّث عن الأخلاق، فإننا نعني بها مجموعة العادات والقواعد السلوكية التي تؤمن بها مجموعة من الناس في مرحلة ما من المراحل التاريخية.
ولكن الفلاسفة من جهتهم لم يوافقوا على هذه النظرة إلى الأخلاق كون موضوعها هو تحديد القواعد التي يسلك الإنسان بمقتضاها في الواقع.
بل هم قد ذهبوا إلى أن موضوعها هو فرض القواعد التي ينبغي على الإنسان أن يسلكها في حياته، لذلك فإن الفلاسفة لا يريدون أن يجعلوا من الأخلاق مجرَّد دراسة تقريرية للعادات الخلقية السائدة بين الناس؛ لأنهم يرون أن مهمة الأخلاق إنما تنحصر في وضع المثل الأعلى وبيان الكمال الأخلاقي وتشريع القانون الخلقي·
هكذا، أصبحت الأخلاق في نظر الفلاسفة هي نظرية المثل الأعلى أو هي الدراسة المعيارية للخير والشر.
وقد بقيت الأخلاق إلى عهد قريب مبحثاً فلسفياً نظرياً يتداوله الفلاسفة ويخوض فيه علماء الأخلاق بوصفه علماً معياري، وقد أدخل الفلاسفة ”الأخلاق” ضمن العلوم المعيارية الأخرى، فوضعوها على قدم المساواة مع المنطق وعلم الجمال، وقالوا إن موضوعها هو قيمة الخير، كما أن موضوع المنطق هو قيمة الحق، وموضوع علم الجمال هو قيمة الجمال·
لا بد من القول إن الأخلاق الفلسفية تستند دائماً إلى مبادئ أولية تسلِّم بها تسليماً دون أن تعني نفسها بالبحث في مدى صحتها، فهي تفترض مثلاً أن الطبيعة البشرية واحدة في كل زمان ومكان، وهذا الفرض هو الذي يسمح لها بأن تنظر بشكل عقلي مجرَّد في مفهوم الإنسان بصفة عامة، وأن تستخلص من ذلك قواعد عامة كلية.
وبعبارة أخرى أن فلاسفة الأخلاق يسلمون بوجود ماهية بشرية ثابتة فيشرعون للإنسانية في جملتها دون أن يقيموا أي وزن للظروف والمناسبات أو الأزمنة والأمكنة أو السلالات والأفراد.
وإلى جانب ذلك أن هؤلاء الفلاسفة يفترضون أيضا أن الضمير أو الشعور الأخلاقي يؤلف لدى كل فرد منا كلا متماسكٱ ليست أوامره المختلفة سوى تطبيقات متنوعة لإلزام أخلاقي واحد·
الباحث الاجتماعي الذي يريد أن يدرس الوقائع الخلقية لا يستبعد من حسابه تصورات الفلاسفة ونظريات علم الأخلاق لأنه يعدها بمثابة وثائق مهمة تكشف لنا عما يدور في باطن الضمير الخلقي لعصر من العصور.
لذلك فإن عالم الاجتماع يهتم بدراسة تلك النظريات الفلسفية لأنه يرى فيها تعبيرا عن آمال المجتمع ونوازعه التي مازالت في دور التطور؛ فالمذاهب الأخلاقية هي نفسها ضرب من الوقائع الخلقية، لأنها ظواهر اجتماعية لها دلالتها الخاصة التي نستطيع عن طريقها أن نسبر غور الضمير الجمعي·
لذلك نتج عن تلك الجهود ما يسمى بعلم الاجتماع الخلقي الذي يريد أن يحرِّر الأخلاق من كل نزعة ذاتية وعاطفية لكي يجعل منها دراسة موضوعية نستطيع عن طريقها أن نقف على القوانين التي تتحكم في تطور الظواهر الخلقية·
لعل المنهج الذي تقوم عليه الأخلاق في دراستها للوقائع الخلقية هو المنهج الموضوعي، لأن عالم الأخلاق الذي يريد أن يدرس ظواهر الحياة الأخلاقية لن يتجه ببصره نحو تلك المظاهر المتغيرة المتبدلة التي يوحي بها الضمير، إنما هو يتجه أولا وبالذات نحو المظاهر الخارجية متمثلة في العادات والنظم والتشريعات، وما إلى ذلك من وقائع يمكن عدها بمثابة المرآة التي تنعكس على صفحتها شتى مظاهر الحياة الخلقية·
وهو بذلك لن ينظر إلى هذه الوقائع إلا بوصفها ظواهر طبيعية، كما أنه لن يدرسها في الزمن الحاضر وفي بيئة بعينها فحسب، وإنما يدرسها في شتى العصور وعند الشعوب المختلفة·