كلنا بنكرهه
كان عندنا فى كلية الألسن دكتور من الأقصر، كان بيدرس قواعد لغة ألمانية ودى مادة بيدرسها الدكاترة الشاطرين بس، كان بيلبس بدل طووول الوقت، عمره ما لبس قميص وبنطلون عادى أو بلوفر فى الشتاء، كان لاااازم يلبس بدلة كاملة وكرافتة كمان، كان بيجيبنا يوم الأجازة وبيزود علينا محاضرات فوق الجدول، كان بيطلب مننا طول الوقت فى كل التيرمات اللى درس لنا فيها إننا نروح معرض الكتاب، حتى لو معاناش فلوس نشترى كتب، علشان نتابع سوق الكتب ونعرف الكتاب المشهورين ونقرب من الكتب فى العموم ونحبها ونحب ريحتها ونرتبط بالجو العام للكتب، ده كان كلامه.
كان هو الدكتور الوحيد اللى بيطلب من البنات تقلل الماكياج وتلبس مقبول، ومقبول ده مش متشدد إو حتى محتشم، مقبول ده يعنى ميلبسوش كت أو يبينوا بطنهم، لأن ده كان حاجة عادية جدا عندنا، إن فيه بنات بتلبس كت أو تلبس توب قصير جدا ومرفوع عن وسطها وبنطلون نازل عن وسطها، أو تلبس شفاف وملابسها الداخلية تبان عادى.
مرة كنت قاعدة ورا بنت من دول وجنبى أولاد كتير وهى لابسة شفاف وبنطلونها نازل وملابسها الداخلية باينة، قلت لها ؛ فلانة إنتى هدومك مش مظبوطة من ورا، قالتلى آه أوكى، وماخدتش أى إجراء وهى عارفة إن جنبى حوالى 6 أولاد، وحتى لو كانوا بنات !!.
ما علينا.
الدكتور ده كان بيطلب من الأولاد يلبسوا بنطلونات قماش وميلبسوش بنطلونات ضيقة، وطبعا احنا مكانش عندنا حد بيلبس بنطلونات قماش نهائياً.
مرة واحدة ولد جه ببنطلون قماش فالدكتور ده اتبسط بيه جدا وبص له بصة فخر وسعادة كانت باينة على وشه جدا، لدرجة إن كلنا ضحكنا جامد من السعادة اللى ملأته لمجرد إن الولد ده كان لابس بنطلون قماش.
الدكتور ده كان بيؤكد علينا دايماً إننا نحافظ على الكتب ومنكتبش فيها بالجاف أبدا، مرة وهو بيمر بينا لقى بنت بتشغبط فى الكتاب وبترسم، قالها احنا متفقين إن الكتاب يبقى نضيف ومنكتبش فيه بالجاف، قالتله الكتاب ده بتاعى ودفعت فلوسه، خلاص أنا حرة فيه، قالها الكتاب ده أنا اللى عامله وخدى فلوسك أهيه وطلع ال 80 جنيه واداهالها وخد الكتاب، وهى اضطرت تروح تصوره من اصحابها، ولأنه أصلا كان كبير طلعت النسخة المصورة كبييييرة جدا وفضلت البنت متعذبة بيها طول الترم.
الدكتور ده كان بييجى مظبوط بالدقيقة وعمره ما غاب ولا اتأخر دقيقة وعمره ما دخل حد بعده حتى لو جه بعديه بثانية واحدة، مهما قاله أسباب أو اعتذر.
الدكتور ده كانت محاضراته 3 ساعات كان بيقعدهم كلهم كاملين، فيه دكاترة كتير مكانوش بيكملوا الساعتين.
الدكتور ده مع إنه مكانش كبير فى السن، يعنى أولاده كانوا تقريبا فى سن الأربع والخمس سنين لما كنا فى الكلية، إلا إنه كان واضح جدا إنه عايز يلعب دور فى تربيتنا حتى واحنا كبار كدا وعنده أمل فى تقويم الحاجات اللى مش صح فينا، وده اللى طبعاً أغلب الطلبة مكانوش شايفين إن ده من حقه، وإنه زيه زى بقية أغلب الدكاترة، أهم حاجة عندهم إننا نشترى الكتاب وننفخ فيهم ونفخم فيهم طول السنة.
الدكتور ده أكتر دكتور كان بيطلب مننا نروح مكتبة الكلية ومكتبة معهد جوتة الألمانى اللى فى وسط البلد علشان ندور على تفاصيل فى المنهج وبرا المنهج.
ولأنه مكانش بيسيب يوم الأجازة، كان لازم نروح المكتبة فى وسط البلد بعد ما نخلص الكلية اللى فى جامعة عين شمس اللى فى محطة منشية الصدر وبعد كدا نروح، كل واحد وطريقه.
الدكتور ده كان منهجه مش سهل وكانت نتيجته فى الغالب مش حلوة، يعنى فيه ناس كتير بتسقط، وأنا مع إنى أدعى إنى كنت شاطرة بس عمرى ما جبت معاه امتياز، وكان تقديرى فى مادته فى الغالب جيد جدا وأحيانا جيد.
وهو بنفسه كان بيقول إن اللى بيجيب جيد عنده يبقى شاطر.
تفتكر الدكتور ده كان محبوب ؟
مرة من 3 سنين تقريبا قابلت بنت فى الكلية وقسم ألمانى بردو، فسألتها دكتور فلان لسه موجود، قالتلى آه أووووفففف.
فسألتها كلكوا بتكرهوه بردو ؟
قالتلى بكل ثقة آه طبعاً هههههه.
الدكتور ده كان فعلا مش محبوب ولا من الطلبة ولا من الدكاترة ولا المعيدين وكانوا مش شايفين فيه غير إنه فلاح وبلدى وعايش فى دور الملاك وبيتحشر فى حاجات متخصوش وبياخد حقوق مش ليه ومادته صعبة ومحدش بيفهم منه.
تفتكر الدكتور ده كان مكروه علشان هو وحش ؟
بالعكس، هو كان مكروه علشان هو أحسن مننا كلنا كطلبة وأحسن من الدكاترة والمعيدين اللى كانوا بيكرهوه، وعلشان هو أحسن منهم كان بيفكرهم بمقدار السوء اللى هما فيه، السوء اللى عاجبهم واللى مستريحين معاه من زمان، إن محدش يقولنا روحوا معرض الكتاب ووجع الدماغ والمشورة فى المواصلات، أو إن حد يقولنا خلوا الكتب نضيفة واحنا عايزين نقطعها وندوسها برجلينا وآخر السنة نرميها فى الزبالة، إو إن حد يقول للبنات تلتزم فى لبسها وهما بيحبوا يلبسوا شفاف ومفتوح وضيق وملابسهم الداخلية باينة وإيه يعنى ما كل واحد حر فى لبسه، أو إن حد يجيبنا فى الإجازة واحنا أصلا بنروح الأيام الأساسية بالعافية ومبنحضرش غير علشان الغياب بس.
الدكتور ده كان كويس فعلا مش عامل نفسه كويس زى ما كان بيتقال عليه وكان مكمل فى طريقته بمنتهى الثبات وهو متأكد إنه عارف إن اللى بيعمله ده صح، حتى لو محدش بيعمله غيره وحتى لو كل اللى حواليه ضده. لكن فى الغالب اللى زيه أغلب الناس بيدوروا له على أى حاجة يثبتوا بيها إنها بيمثل أو أوفر علشان يبرروا لنفسهم مهاجمته.
الناس اللى زى الراجل ده قليلين وبيقلوا وهيقلوا طول ما احنا واقفين ضدهم علشان منزعجش العيوب اللى فينا والغلط اللى بقى عادى ومن حقنا.
الراجل ده شاطر جدا وعمره ما اتهز ولا شك فى نفسه أو فى هويته أو مبادئه، لكن فيه ناس غيره كويسين لكن معندهمش نفس القوة والشطارة اللى مثبتاه قصاد الهجوم الدائم عليه فى كل مكان، ولما بيلاقوا هجوم بيبدأوا يشكوا فى أفكارهم أو طريقتهم أو حتى يُفضّلوا التوقف عن المواجهات ووجع الدماغ، ممكن يحاولوا من وقت للتانى يثبتوا شوية ويرجعوا يشكوا تانى وهكذا.
وده لأن الشر اللى جوا معظمنا أكبر بكتير من الخير اللى جوانا، ولأن أعداد الأشرار فى العموم فى الغالب أكبر بكتير من الخيرين، ولأننا مستريحين للشر لأنه عادة بيكون ألطف وأظرف وأخف على النفس، علشان كدا تغييره بيبقى تقيل، وبدل ما نقول إن اللى احنا فيه شر ولازم نقومه، بنسمى الصح غلط ونحاربه !!!