الإنسان دعيف بصوت محمود عبد العزيز
فيه توجه فكرى منتشر جداً بيدعو الجميع إلى الاعتماد على النفس والتخلى عن زحام البشر والبعد عن الناس وإن اللى بيبعد عن الناس وبيفضل العزلة أكثر ذكاءاً بل وشديد الذكاء، فالذكى مثلا بالنسبة له العلاقات ممكن تكون تضييع لوقته ومجهوده ومش هيستفيد منها بحاجة، لأنه كدا كدا بيعتمد على نفسه ومش محتاج للرفقة أو اللمة.
فيه أبحاث كتيرة اتعملت على مدى شعور الناس بالوحدة وأغلبها طلعت نتايجه إن نسبة الشعور بالوحدة فى معظم دول العالم مرتفعة جدا وخصوصا فى سن الشباب ودى حاجة غريبة طبعا، لأن الطبيعى إن الشباب هما أكتر ناس بيبقوا مشغولين فى العمل والزواج والصداقات والعلاقات بوجه عام.
بس الشعور بالوحدة مالوش علاقة بالناس قد ما ليه علاقة بشعور الإنسان، يعنى ممكن شخص يكون عنده علاقات كتيرة جدا ومعندوش وقت فاضى خالص بس حاسس بالوحدة، لأن أصدقائه مش شبهه أو زملائه فى العمل مش شبه توقعاته منهم أو أهله علاقته بيهم مافيهاش حميمية أو تفاهم، فاللمة ليس معناها الشعور بالونس أو الإنتماء، وده اللى بيخلى حد متعدد العلاقات عنده نفس الشعور بالإنفصال والعزلة اللى موجود عند واحد عايش لوحده أو بعيد عن أهله ومالوش صحاب.
فكرة تفضيل الإنفصال عن الناس والشعور بالراحة بعيد عنهم، لأن التعامل معاهم صعب ومش مريح فكرة سليمة وبتبقى صح أحياناً بس متنفعش تبقى منهج، لأن اللى بياخدها منهج الدراسات أثبتت إنه بيصاب بالأمراض عموما أكتر بكتير من اللى بيحافظ على الونس والإنتماء لمجموعة، وكمان أعمار المنعزلين بتكون أقل فى العموم من أعمار المنتمين للتجمعات.
فيه حاجة غريبة جداً أثبتتها الدراسات بردو إن زيادة حجم المدن وسيطرتها وانتشارها مقارنة بالريف، كانت سبب مهم فى زيادة شعور الإنسان بالوحدة، مع إن المتوقع كان العكس، لما الناس أعدادها هتزيد والتجمعات هتكبر، هيحسوا بالونس أكتر، بس اللى حصل العكس؛ إن الزحمة أضعفت العلاقات وخلتها بعيدة عن الدفء والعمق وزودت الشعور بالعزلة، لكن فى القرية واللى المفروض إنها معتمدة على الزراعة اللى كلها مشاركة فى العمل والإنتاج، كان الشعور بالوحدة أقل بكتير ويكاد ينعدم.
الكلام ده طبعاً مش ضد إن الواحد بيحتاج يبعد ويفصل ويعتزل الناس كلها الفترة ( اللى محتاجها ) علشان يريح عقله وروحه ويبعد عن التوتر اللى فى كل حتة، لكن لازم يبقى عارف إن الوضع ده هيجيله وقت وهيخلص وهيرجع يدور على الناس تانى، إلا لو كان من فائقى الذكاء واللى أعدادهم لا تذكر فى عالمنا المعاصر واللى يقدروا ينعزلوا فينتجوا أكتر أو يبدعوا أكتر أو يكونوا مرتاحين أكتر؛ دول مش فى دائرة حديثنا، لإنهم أدرى بحالهم وكلنا بنثق فى اختيارهم للوحدة ( ماداااام ) مش مسبب لهم شعور بالوحدة، لكن أول ما يسبب لهم شعور بالوحدة، لازم يدوروا على الإنتماء لمجموعات.
إعتزال الناس كله مزايا؛ كدبة زى إن التكنولوجيا كلها مزايا والحرية كلها مزايا والتقدم العلمى كله مزايا ووسائل التواصل الاجتماعى كلها مزايا؛ ولازم نفكر ونجرب بنفسنا علشان نحكم على الكلام اللى بيتقال حوالينا طول الوقت ومبيسيبلناش فرصة حتى نفكر هو صح ولا غلط فبنصدقه أسهل.
أنا عن نفسى أغلب الوقت كنت باحاول أضيق دايرة علاقاتى بقدر الإمكان وكنت شايفة بردو إن التعامل مع الناس يبقى للضرورة بس، لأن الحال بوجه عان مبقاش يسرّ وأغلب الناس التعامل معاهم غير مريح على الإطلاق، لحد ما فى مرة جوزى وولادى طلبوا إننا نسافر فى مكان ما والسفر ده كان فرصة كويسة بالنسبة لهم، بس أنا ماكنتش مهيأة للسفر ده خالص ومقدرتش لأسباب كتير، وقلت لهم يروحوا هما وأنا هاقعد لوحدى لأن كدا أريح لى، ودى كانت المرة الوحيدة اللى يسافروا كلهم ويسيبونى، وأنا فى العموم باحب أقعد لوحدى، حتى لو وقت قليل.
المهم إنهم سافروا وأنا بصراحة كنت مبسوطة جدا من الهدوء ده وقرأت كتير جدا عن العادى وعملت شغل كان ممكن أعمله فى شهر مش فى ال 6 أيام اللى سافروا فيهم، وكمان لما حد كان بيطلب منى شغل كنت باعمله على طول مش باتفق على مواعيد لاحقة، وكنت باخلى بالى من أكلى جدا ودى حاجة أنا مباعملهاش فى العموم، وكنت حاسة إنى مبسوطة بصراحة، وتعمدت ماتكلمش كتير مع نفسى ولا مع حد علشان مأفسدش التجربة، لكن اللى حصل بعد كدا إنى كنت تعبانة قبل ما يمشوا شوية وكان الموضوع عادى يعنى ممكن يستنى أو يتأجل، لكن بعد أيام لقيت نفسى تعبت جداً وبدأت أدور أنا على دكتور ومش هينفع أؤجل.
ومع إنى كنت فاكرة إن لما ييجى ميعادهم ويكونوا راجعين خلاص، ممكن أقولهم لو عايزين تخليكوا شوية خليكوا، لقيت نفسى مستنية اليوم السادس وخايفة لاحسن يقولوا لى إحنا لسه هنطول شوية، ودى حاجة أنا إستغربتها جدا من نفسى واتفاجأت بيها.
على ما يبدو إن السعادة والراحة الغامرتين اللى ملونى فى الأول مكانوش حقيقيين وإن العزلة والقعدة لوحدى أثرت عليا غصب عنى، لأن الإنسان فعلا ( دعيف ) بصوت محمود عبد العزيز.