العلاقة العكسية بين راحة الإنسان وغاز الميثان
فى أيام الدراسة بمراحلها المختلفة كان يُطلب منا جمع الأوراق والأكياس البلاستيكية والقمامة من فناء المدرسة كل يوم لمدة ثلاث أو أربع دقائق، هل تتخيل لو لم نفعل ذلك قط؟
كان هناك عمال للنظافة ينظفون الفصول الدراسية والفناء ودورات المياه وكل مكان، ولكن دورنا فى جمع القمامة لثلاث دقائق كان يحدث فرقاً وينمى داخلنا أشياء لم تكن لتنمو بدونه.
لو تصورنا أننا كنا نجتهد فى المذاكرة ونتفوق ونرتدى الزى الموحد ونحضر الحصص ونفهمها كلها ونعود إلى بيوتنا ثم نأتى فى اليوم التالى بالزى الموحد ونحضر ونفهم ونعود إلى البيت، ولا أحد ينظف الفناء أو السلم أو دورات المياه، لنتخيل الصورة؛ صورة مدرسة تعج بالطلبة المتميزين علمياً والمعلمين المستنيرين، وتعج فى الوقت ذاته بالمخلفات والقذارة والأوساخ !
لقد أولينا الرعاية للمحتوى الداخلى ولم نولى أدنى رعاية للوعاء ( المدرسة )، والذى لا يقل أهمية فعلياً عن الطلبة والمعلمين فى شئ.
هل ستسير الأمور ؟
وإن سارت، هل ستستمر على نحو سوى ؟
لو طبقنا هذه الفكرة على الكرة الأرضية مثلاً والتى تعانى منذ عشرات السنين من سوء استخدام الإنسان للموارد وسوء استغلال مصادر الطاقة، وتعانى من الاحتباس الحرارى وتغيرات المناخ، لقد أولينا جُل اهتمامنا إلى الصناعة ثم الصناعة ثم الصناعة والتقدم الصناعى والثورات الصناعية والنهضة الصناعية فى كل مكان وصدرنا لها( الكرة الأرضية) الغازات الدفيئة من ميثان وثانى أكسيد الكريون وبخار الماء، والتى تزيد كل يوم من الاحتباس الحرارى الذى أرسلته لنا الكرة الأرضية لتحذرنا بأن هناك الكثير يجب فعله فى أسرع وقت !
لكننا أنشأنا المصانع ثم مصانع أخرى ثم مصانع أخرى لتعيد الطاقة الحرارية المنبعثة من الأرض مرة أخرى بدلاً من أن تذهب بلا رجعة، وهو ما نسميه الاحتباس الحرارى !
مصانع طائرات وسيارات وأسلحة وأجهزة وأدوية ومعدات فى عالم ترتفع فيه درجة الحرارة كل يوم، ولا يزال الإهتمام ولا تزال الرعاية موجهة صوب التصنيع والسيطرة المادية !
أولينا اهتمامنا إلى السيارات والمعدات والأحذية والسفن والملابس والأغذية وهى المحتوى وأهملنا الوعاء الذى يحوى الجميع وهو الكرة الأرضية.
لو طبقنا نفس الفكرة على نموذج أصغر من الكرة الأرضية وأصغر من المدرسة وهو الإنسان، لوجدنا أنفسنا نمارس نفس الشأن؛ نعلمه تعليماً جيداً بتكاليف فوق الطاقة، نلبسه أغلى وأحدث الملابس، يستخدم أحدث الأجهزة الذكية، يسافر أى مكان فى العالم ويفعل ما يشاء وقتما يشاء، يمتلك أموال قد لا يعرف مقدارها، ونكون قد أولينا كل العناية لجسده، أما روحه والتى تسع جسده وروحه معاً، ولا يجوز العكس فالجسد لا يسع الروح !
هنا نكون قد قصرنا فى حق الوعاء الأكبر وهو الروح، كما فعلنا فى المثالين السابقين !
<span;>فروحه فارغة، فاقدة الهوية، ربما أنانية، تائهة، غير سعيدة، مجهدة ولا تعرف الراحة، متوترة وقلقة، ضعيفة، قليلة الحيلة وسط هذا الصخب والضجيج !
بعض الحكماء يقولون أن الإنسان يعيش فى مأساة من الشعور بعدم الأمان وعدم الثبات لأنه يحاول دائماً خلق شئ جديد من إنتاجه، مع أنه غير مضطر لذلك، فليس هناك أعلى وأقوى من خلق الله مهما حاول !
ولكنه يعيش فى وهم الوصول إلى الجديد والتطوير والتحسين والمقارنات إلى ما لا نهاية، فيرهق عقله بلا داعٍ !
ولا ينتبه أن المرهق دائما لن يستطيع إنجاز الجديد أو إعطاء المزيد، لابد له من راحة أولاً، ومن أولويات أن نرعى الإنسان أن نمنحه الراحة.
وبدون الراحة وبالعمل على جانب واحد كما نفعل مع الإنسان، ينتج لنا إنسان غير متوازن والإنسان الغير متوازن، يؤذى نفسه قبل أن يؤذى من حوله، فيفقد نفسه ويفقد صحته ثم يفقد عالمه بزيادة الاحتباس الحرارى وتغير المناخ وكل ما على شاكلتهما !
لن نصل إلى مدرسة نظيفة أو إلى تثبيت لنسبة الغازات الدفيئة فى الغلاف الجوى إلا براحة الإنسان !